السهام المسمومة التي توجه إلي الإسلام والمسلمين كثيرة منذ بداية الدعوة, ولكنها ـ الآن ـ أكثر وأشد خطرا, وتحمل قدرا كبيرا من التحريض بل ومن العداء.
ولا يخلو كتاب أو مقال أو حديث عن الإسلام في الغرب من حديث عن الوضع المتدني للمرأة في العالم الإسلامي, واعتباره أصلا من أصول الإسلام.. ويتكرر في كل مناسبة الإشارة إلي أن المسلمين يعتبرون المرأة كائنا أقل من الرجل ويجب أن يكون خاضعا له سواء للأب أو الزوج او حتي الابن عندما يكبر,
وعليها أن تتقبل العقوبات التي تصل إلي حد الضرب, وأن تخضع لعملية الختان وتوصف بأنها عملية كفيلة باصابة الانسان بالفزع, وكثيرا ما تكون الخلاصة من استعراض أحكام الإسلام ان الأمور إذا سارت في العالم الإسلامي علي ما هي عليه فإنه من الصعب تخيل وجود وفاق بين المسلمين وغيرهم! والنتيجة الثانية التي تتكرر في الكتابات الغربية أنه من الصعب حدوث تغيير في أوضاع المرأة المسلمة لأن وضعها المتدني راسخ في الأعماق, ومستند إلي التفسير المتوارث للنصوص الدينية,
وإذا كانت بعض المجتمعات وبعض الجمعيات النسائية تقدم نماذج حضارية للمرأة المسلمة فإن هذه النماذج لا تمثل حقيقة ملايين النساء في الريف وفي جنوب شرقي آسيا, وبدو الصحراء, وإفريقيا, وغيرها, ويقال عن الدول الإسلامية التي تتميز فيها المرأة بوضع أفضل بأن ذلك لا يرجع إلي الإسلام ولكن يرجع إلي العادات التي ترسخت في هذه البلاد قبل دخول الإسلام اليها(!).
ويقال أيضا إن المرأة المسلمة محرومة من الحماية الاقتصادية في كثير من البلاد الإسلامية, وفي النهاية فإن الاتهام يوجه إلي رجال الدين الإسلامي علي أنهم المسئولون عن تخلف المرأة وحرمانها من حقوق الانسان, لأنهم مازالوا يرددون التفسيرات والأحكام الفقهية والمفاهيم التي سادت منذ أكثر من عشرة قرون واعتبروها صالحة لهذا الزمان ومازالوا يقولون عنها: تلك حدود الله أي لا يمكن لبشر أن يختلف معها أو يفكر في اعادة النظر فيها, ومازال معظم شيوخ المسلمين يقيدون أنفسهم بما في الكتب القديمة ـ مع أنها من نتاج بشر ـ بما يعني أن باب الاجتهاد ـ عمليا ـ مازال مقفلا ـ وقد نشرت مجلة ايكونومست البريطانية يوما مقالا ذكرت فيه أن القرآن يشير إلي ملكة سبأ باحترام, ومع ذلك فإن شيوخ المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية يعترضون علي ان تكون المرأة رئيسة للدولة أو رئيسة للوزراء أو قاضية أو حاكما لاقليم, كما حدث في باكستان وبنجلاديش مثلا, رغم أن القرآن لم يستنكر وجود امرأة تحكم مملكة سبأ التي كانت مملكة متحضرة ومتقدمة وفيها رجال حكماء تستشيرهم ويرتضون حكمها, ودلل القرآن علي رجاحة عقلها أكثر من رجاحة عقل مستشاريها من الرجال!
ولكن دراسة الايكونومست تدخل في الممنوع كما يقال, فتركز علي موضوع نصيب المرأة في الميراث في بعض الحالات نصف نصيب الرجل, وتغفل أن معظم الحالات يتساوي فيها نصيب المرأة مع نصيب الرجل وفي حالات يزيد نصيبها علي نصيب الرجل, مما يدل علي أن حكم القرآن ليس منصبا علي المرأة في ذاتها ولكنه منصب علي ظروفها ووضعها هل هي زوجة أو أم أو اخت أو.. أو..
كذلك تطعن الايكونومست في الإسلام لأنه يحط من شأن المرأة فتعتبر شهادتها أمام القضاء نصف شهادة الرجل, وهذا غير صحيح علي اطلاقه ولكنه مقصور علي الشهادة في القضايا الاقتصادية والديون فقط, كما بين علماؤنا دون أن يصل بيانهم إلي أسماع الغرب.. ولكن الاجتراء يصل إلي حد أن تطالب الايكونومست باعادة النظر في النص القرآني وتقول إن القرآن يحتمل أكثر من تفسير مثل الآية التي تنص علي أن الرجال قوامون علي النساء, والآية التي تسمح للرجل بضرب زوجته, وتقول إن مثل هذه الآيات تحتاج إلي فهم جديد في ضوء القيم الحضارية الحديثة التي لن يستطيع المسلمون التهرب منها طويلا, وسوف يصل اليهم قطار التحديث والحضارة الحديثة بارادتهم أو بحكم التطور وإن لم يكن اليوم فغدا. وتقول إن وضع المرأة المتدني كان وليد البيئة التي نزل فيها القرآن, حيث كان الرجال هم الذين يشتغلون بالتجارة والحرب ولهم القيادة, وتقول: إذا لم تتحرر المرأة المسلمة وتسترد مكانتها ككائن له كامل حقوق الانسان فسوف يجد الإسلام نفسه معزولا وسوف يجد المسلمون أنفسهم في آخر الصفوف لأنهم يعملون بنصف قوتهم ويتنفسون بنصف رئة ويفكرون بنصف عقل.
وهذه قضية علي رأس قضايا الحوار بين الإسلام والغرب.