حوارات التليفزيون
لاينكر أحد أن التليفزيون المصرى يتمتع الآن بهامش من الحرية فى برامج الحوار بعد زيادة حدة المنافسة مع الفضائيات المصرية والعربية والاجنبية التى جذبت قطاعات من المثقفين وغيرهم فلم يعد فى وسع التلفزيون الحكومى أن يستمر فى تقديم برامج التعبئة السياسية والاقتصار على الصورة الوردية فى كل شىء والاكتفاء بالجانب المضىء من الصورة واغفال الجانب الاخر00 لأن الزمن تغير فى عصر العولمة والسماوات المفتوحة والانترنت الذى حعل صحافة وتلفزيونات العالم عند طرف الاصابع 0
ومع ذلك فان الدراسات الحديثة عن الرأى العام وتحليل مضمون واتجاهات هذه البرامج تشير الى تجاهلها للمشاكل الجوهرية مثل انخفاض مستوى الاجور وارتفاع الاسعار والبطالة والآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للخصخصة بالصورة التى تنفذها الحكومة وان معظم هذه البرامج تكتفى بتكرار الخطاب الحكومى وتختار معظم المتحدثين فيها من المسئولين الحاليين ومن مؤيدى الآراء والاجراءات الحكومية بينما تركز القنوات الخاصة على استضافة مسئولين سابقين وأصحاب الرأى المعارض وتطرح الآراء يقدر أكبر من الحرية والجرأة وهذا ما يجعلها تحتل مكانة متقدمة لدى الجماهير لانها لا تتجاهل مثل التلفزيون الحكومى مناقشة الاراء المختلفة حول الاصلاح السياسى والديمقراطية والاصلاح الاقتصادى وأهدافه والهرم الاجتماعى الجديد وحالات الاحتكار وعدم الانضباط فى الشارع والاسواق 00 الخ وفى بحث للدكتورة أمال كمال الاستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية أن برنامج العاشرة مساء وبرنامج 90 دقيقة يركزان على القضايا السياسية فى حين تتصدر القضايا الاجتماعية برنامج البيت بيتك وتأتى القضايا السياسية فى مرتبة متأخرة وتشير نتائج البحث الى انخفاض الاهتمام بقضية الفقر وأسبابها وأبعادها والظروف التى تعيش فيها الفقراء وأن برنامج البيت بيتك أقل البرامج التى أفسحت المجال لأصحاب الاراء المعارضة كما اشار البحث الى وجود علاقة بين اختيار الضيوف لبرامج الحوار وملكية القناة 00 حكومية أو خاصة 00 مصرية أو عربية 00 وأن برنامج البيت بيتك كان أكثر البرامج تأييدا للتوجيه الرسمى فى معالجة القضايا وكان برنامج العاشرة مساء أقلها انحيازا للتوجيه الرسمى وتقديم وجهات نظر مختلفة
وعلى سبيل المثال فان تحليل تناول قضية الفقر فى برنامجى البيت بيتك و90 دقيقة أظهرا أنهما اكتفيا بالمساس بها من خلال عرض الحالات الانسانية لفقراء يناشدون أهل الخير المساعدة لظروفهم الصحية أو الاجتماعية الصعبة وكان التناول فى أطار مسئولية المجتمع المدنى دون مناقشة اسباب الفقر وأوضاع الفقراء عامة ودون عرض لأوضاع سكلن العشوائيات وأثار البطالة أو تحليل ظاهرة لجوء الشباب الى قبول التضحية بأرواحهم بالمغامرة للهجرة غير الشرعية فى زوارق الموت أو لجوء البعض الى بيع الاعضاء من اجسادهم 00 الخ وكانت الحالات الانسانية التى يقدمها البرنامجان ينتهى الحديث عنها بان الحل هو التكافل الاجتماعى وتطوع القادرين لمساعدة أصحاب هذه الحالات وأمثالهم اى ان الفكر الذى يوجه البرنامج هو الفكر الذى يوجه البرنامجين هو فكر الاحسان بينما كان طرح برنامج العاشرة مساء لقضية الفقر والفقراء يدور فى أطار مسئولية الدولة 0
والخلاصة أن القنوات الخاصة أصبحت تحتل مكانة متقدمة لدى الجمهور وأنها نجحت فى تحريك المياة الراكدة فى الاعلام الحكومى الى حد ما كما نجحت فى تنمية الاقتناع بأساليب عرض الأخبار والموضوعات بأبراز عناصر معينة والسكوت عن عناصر أخرى لتوصيل المشاهد الى فكرة أو أفكار مقصودة منذ البداية وقبل الحوار وتأكيدها بالتكرار وبتدخل من يدير الحوار لمقاطعة متحدث وافساح المجال لمتحدث آخر 00
والنتيجة أته بقدر الحرية وافساح المجال للتعددية واختلاف الاراء وأعطاء فرص متساوية للمؤيدين والمعارضين للسياسات الحكومية وبقدر احترام عقل المشاهد والمستمع بقدر ما يكون نصيب البرامج والقنوات من المشاهدين وتكون المصداقية وهى التى يتوقف عليها نجاح الاعلام فى النهاية0