شوقى ضيف وجائزة نوبل

 مرت ذكرى رحيل أستاذ الأجيال الدكتور شوقى ضيف دون أن بها جهة من جهات وزارة الثقافة التى تقيم الاحتفالات كل يوم.

ولا يعرف كثيرون – حتى من المسئولين عن الفكر والثقافة والأدب – أن شوقى ضيف رئيس مجمع اللغة العربية "مجمع الخالدين" كان مرشحًا للحصول على جائزة نوبل فى عام 2004- وأن اللجنة السويدية المختصة بالترشيح للجائزة كانت تقوم بفحص ملف أعماله وإنها طلبت استكمال بعض البيانات ولكن القدر كان أسبق ورحل الرجل العظيم المتواضع كما رحل أستاذه طه حسين دون أن يحظى العالم العربى بنوبل ثانية فى الأدب.

وكان طه حسين أيضًا مرشحًا للجائزة لكن القدر لم بمهله للحصول عليها فى حياته وهذه الجائزة تمنح للأحياء فقط ولم يحدث أستثناء من ذلك الأمر واحدة فى تاريخها.

ولم أكن أعلم أنا أيضًا بأن شوقى ضيف مرشح لنوبل وأن الإجراءات تمضى فى طريقها على الرغم من أنه كان يزورنى كثيرًا وأنا مسئول عن دار المعارف وهى دار النشر التى تتولى نشر وتوزيع مؤلفاته التى تزيد عن أربعين كتابًا تمثل المرجع الأساسى لدراس الأدب والثقافة فى الجامعات العربية. وكان يحدثنى فى كل شىء دون أن يذكر لى شيئًا عن هذا الترشيح ولم أعلم به إلا أخيرًا من الدكتور محمود المناوى أستاذ الطب الشهير والأديب والمؤرخ وعضو مجمع اللغة العربية والمعروف بأبحاثه فى اللغة العربية وترجمة المصطلحات العلمية والطبية إلى اللغة العربية بالإضافة إلى أبحاثه الطبية والتاريخية.

وكان ملف ترشيح الدكتور شوقى ضيف أمام رئيس لجنة نوبل الأكاديمية السويدية كجل أيسبمارك وجاء فى حيثيات الترشيح:

أولاً: أن إنتاج شوقى ضيف "المولود سنو 1910" يتميز بقدرات إبداعية رفيعة المستوى.. إنسانية.. ومثالية.. فيها مؤثرات الشرق الفنان بروحانياته وتراث فنون الحضارة العربية التى ظلت على مدى تاريخها الممتد عبر القرون تتقبل الحضارات الأخرى وتتفاعل معها بحيث أصبحت الحضارة العربية – الإسلامية حضارة إنسانية ملهمة للعالم وباعثة للنهضة الأوروبية.

ثانيًا: أنه أبدع فى متابة سيرته الذاتية وتمكن فيها من الغوص فى اغوار النفس البشرية بما فيها من ضعف وقوة وطموح وذلك فى كتابه "معى" وهو عمل أدبى من طراز إنسانى رفيع المستوى.

ثالثًا: فى كتاباته النقدية أحاط بفنون الأدب على مدى أكثر من ألف عام ورفع قدر الثقافة والفكر على العتبارات السياسية.

رابعًا: تمكن من تقديم رؤى متميزة لم يسبق إليها أحد على الرغم من كثرة من سبقوه إلى الدراسة العلمية للأدب العربى وهو أدب إنسانى عريق ومتصل ينتمى إلى تراث اللغة العربية وهى أقدم اللغات الحية.

خامسًا: قدم نموذجًا لقدرو الإبداع على التمكن من الدراسات الأدبية والإضافة إليها, بل وتغيير جوهرها وتقديمها فى إطار منهجى علمى متكامل لأول مرة.

سادسًا: من خلال أستاذيته ودراساته كان له أكبر الأثر فى توجيه حركة الإبداع فى وطنه نحو التعمق فى الذات وإجادة التعبير عنها فى القوالب والأشكال الأدبية الحديثة مما خلق تيارًا قويًا من الوعى الإبداعى بقضايا أمته وعلاقاتها الإنسانية مارسها تلاميذه من المبدعين من أجيال متعاقبة على مدى سبعين عامًا.

سابعًا: قدم بدراساته للأدب العربى فى جميع مراحله قطاعًا ضخمًا من الإنتاج الفكرى للجنس البشرى, وكان أول الدراسين لهذا الأدب على هذا المستوى الأكاديمى وأسهم بذلك فى تأهيل دراسة الأدب العربى فى إطار الدراسات العلمية الحديثة للآداب العالمية مستخدمًا اللغة والمنهج والمفردات العالمية المعاصرة.

ثامنًا: قدم دراسته عن عالمية الإسلام, كشف فيها عن الجوانب المشتركة بين التراث الدينى الإسلامى والتراث العالمى, وقدم بإحساس المبدع والناقد والفنان الأسس لفهم الإسلام بعيدًا عن الخطابة والتحيز ومطبقًا لمبادىء التفكير العلمى الذى قامت عليه حركة التمدن الإنسانية وبذلك وضع اللبنات الأولى فى الأساس النظرى والكفيل بإندماج المجتمع الإسلامى فى نظام عالمى قائم على إحترام الآخر وإحترام المقدسات والتاريخ والتراث فى نفس الوقت.

وجاء فى جيثيات الترشيح أيضًا أن شوقى ضيف بذل جهودًا جبارة فى تحقيق وتدقيق وكتابة تاريخ الأدب العربى على نحو تفوق فيه على معاصريه وعلى السابقين عليه وأصبحت مرلفاته هى المرجع لقراءة تاريخ الأدب العربية عبر العصور, وبالإضافة إلى متبه العشرة عن مراحل الأدب العربى فإن مؤلفاته تميزت بالأصالة فى مجالات عديدة ومن كتبه المؤسسة الفن ومذاهبه فى الشعر العربى والفن ومذاهبه فى النثر العربى والشعر والغناء فى المدينة ومكة فى عصر بنى أمية والتطور والتجديد فى الشعر الأموى والشعر وطوابعه الشعبية على مدى العصور والبطولة فى الشعر العربى والحب العذرى عند العرب والرثاء عند العرب والقسم فى القرآن الكريم والفكاهة فى مصر والشعر الفكاهى فى مصر, كل ذلك بالإضافة إلى العديد كم الكتب المرجعية فى النقد الأدبى.

كان القدر هو الذى حكم بعدم حصول شوقى ضيف على نوبل ولكنه كان أكبر من كل جائزة. وسيظل يذكره كل من يعرف قدره ولن يذكر أحد أسماء الذين يمنحون ويمنعون الجوائز.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف