الأزهر والأمية الدينية 1
لا يختلف أحد فى أن الأمية هى العائق الأكبر لمسيرة المجتمع وتقدمه الحضارى, وفى مسئولية الحكومة بأجهزتها المختلفة عن القضاء على هذا العار القومى. ولكن هناك من يختلف فى الاعتراف بأن الأمية الدينية هى الخطر الأكبر على الإسلام والمسلمين, وفى الاعتراف بمسئولية الأزهر والمؤسسة الدينية عمومًا عن انتشار هذه الأمية وما يترتب عليها من مخاطر.
بديهى أن الفكر المنحرف لا ينتشر إلا عندما يتراجع الفكر المستنير, ولا يظهر الدعاة الادعياء إلا عندما يضعف تأثير الدعاة الحقيقيين وينشغلون بأمور أخرى عن القيام برسالتهم, ولا تتقدم مؤسسة الإرهاب إلا عندما يضعف تأثير المؤسسة الدينية الرسمية, وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف نفسر انتشار الأمية الدينية والمفاهيم الدينية المضللة, وكيف نفسر انتشار الجمود فى الفكر الدينى والتعصب والاسراف فى التكفير والتحريم والتضييق على الناس فى شئون دينهم ودنياهم؟ وكيف نفسر انتشار الخرافات والدجل والشعوذة؟ وكيف نفسر النفوذ الذى أصبح عليه رجال يدعون أنهم الوسيلة والواسطة بين الله والإنسان أو يدعون أن الفتوى صناعتهم وحدهم دون سواهم وليس من حق أحد أن يناقشهم فيما يقولون مع أن الإسلام ليس فيه كهنوت ولا أسرار يختص الله بها أحدًا من عباده وليس فيه حق إحتكار العلم بمراد الله ومقاصد الشريعة؟ وكيف تروج حتى على السنة بعض الكبار روايات وأحاديث موضوعة تتعارض مع النص الصريح فى القرآن؟ وكيف تنتشر الفضائيات الإسلامية العشوائية وينتشر دعاة يفسدون عقول الناس ويزيفون الوعى الدينى ويعملون على تغييب عقول المسلمين؟ هل هناك تفسير لهذا الانتشار لمفاهيم دينية مضللة ومنحرفة مع وجود الأزهر بعلمائه وجامعة الأزهر باساتذتها, واكثر من40 ألف خطيب وواعظ أزهرى, ومجمع البحوث الاسلامية, والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية, ووزارة الأوقاف, وجهاز بيروقراطى يضم عشرات الآلاف من الموظفين فى ادارات هذه المؤسسة الدينية المترهلة؟ ألا يدهشنا أن تنتشر شرائط وكتب على الأرصفة والاكشاك تسمم الفكر الإسلامى وتحارب كل صور التقدم والحضارة, وتستعدى المسلمين على مجتمعاتهم, وبعضها يوزع مجانًا فى المدارس والجامعات والمساجد على أنه زكاة ووقف لله تعالى.
وبسبب الأمية الدينية فإن الأغلبية تصدق كل من يتحدث باسم الإسلام ويقول قال الله وقال الرسول ولا تفرق بين الصحيح والزائف, وملايين المسلمين لا يحصلون على معلوماتهم إلا عن طريق السماع ولا يعرفون من الأحكام إلا حكمين فقط هما الحلال والحرام, وقد اقنعهم الدعاة الأدعياء بأن الإسلام ينحصر فى النقاب وإطلاق اللحية وتحريم النظر الى المرأة أو مصافحتها وتحريم الموسيقى والفنون عمومًا فيما عدا فن الخط العربى!
فى غياب المؤسسة الدينية استطاع أصحاب الفكر المنحرف أن يحاصروها بينما انشغل علماؤنا بقضايا لا صلة لها بقضايا الحياة والتقدم, وماذا يفيد المسلمون من العناد واللدد فى معركة لتأكيد أن الصحابة كانوا يشربون بول الرسول؟ وماذا يفيدهم عندما يقول لهم شيخهم إن الرسول زاره شخصيًا وهو يقظ ــ وليس فى المنام ــ ولم ينصرف! إلا عندما بدأ فى عد الشعرات البيضاء فى ذقن الرسول؟ وماذا يقول عنا العالم عندما يصدر فتوى بأن الطفل الذى يولد بعد خمس سنوات من وفاة ابيه ينسب للأب المتوفى لأن مدة الحمل الشرعية فى الإسلام خمس سنوات, كما قال بعض القدماء (من غير الأطباء طبعًا) ومثل الفتوى بأن الليبرالية حرام شرعًا والليبرالى كافر!
وفى غياب المؤسسة الدينية استولى أصحاب الفكر الضال على مساجد وحولوها إلى مدارس لتعليم وتفريخ الإرهابيين الجدد.
الفكر أقوى من الرصاص. وإذا لم تنجح المؤسسة الدينية فى القضاء على الأمية الدينية والفكر الضال وتحصين عقول المسلمين من هذا الفيروس الأشد خطرًا من السرطان, فما العمل.