فى غياب المرجعية
ليس من مصلحة الإسلام والمسلمين السكوت على ما يجرى فى الساحة الدينية هذه الأيام، سواء باستسهال الفتوى أو بترديد الأحاديث والتفسيرات المطعون فى صحتها، وفيها ما يتعارض مع صريح النص فى القرآن. وليس من مصلحة الإسلام والمسلمين أن تتأخر عملية أعادة تنظيم الأزهر وجهات الإفتاء أكثر من ذلك.
فالإصرار الغريب حتى اليوم على أن بول الرسول صلى الله عليه وسلم، كان طاهرًا، وأن الصحابة كانوا يتبركون بشربه قد أساء إلى الرسول وإلى الإسلام والمسلمين بعد أن ترجمت ههذ الأقوال وتوسع فى نشرها المتربصون بالإسلام واتخذوها حجة للهجوم عليها كما فعلوا فى الفتوى التى سبقتها لتحريم التماثيل واعتبارها من الأوثان يعبدها الكفار اليوم، كما كان يفعل كفار مكة، وغير ذلك من الفتاوى التى انهالت كالسيل فى توقيت يثير الحيرة، ابتداء بفتوى اعتبار ترقيع غشاء البكارة حلالاً مع ما فى ذلك من إباحة للتحليل والغش، وما يؤدى إليه من الشك فى عذرية كل مسلمة ويتعارض مع الحديث الصحيح: "من غشنا فليس منا"، إلى الفتوى بإلزام الموظفة بإرضاع زميلها فى العمل لكى تحرم عليه وتباح لهما الخلوة، إلى تكرار نشر أحاديث إباحة القتل مثل "من بدل دينه فاقتلوه" مع تعارض هذه الأحاديث مع حكم القرآن "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وسبق أن صدرت لجنة العقيدة بمجمع البحوث الإسلامية فتوى بعدم جواز قتل المرتد، وأن حرية العقيدة من المبادىء الأساسية للإسلام، إلى نشر أحاديث مضللة ومسيئة ومدسوسة مثل "إذا سقط الذباب فى إناء أحدكم فليغمسه فإن فى أحد جناحيه داء وفى الآخر دواء"، والادعاء بأن العلم الحديث أثبت أن أجد جناحى الذبابة فيه مضاد حيوى يقتل الجراثيم والميكروبات التى تعلق بها، أو الحديث: "لا تقتلوا البراغيث فإنها توقظكم لصلاة الفجر"، مما أصبح مثار سخرية واستهزاء!
والأمثلة كثيرة منشورة فى كتب وصحف ويرددها الدعاة الجدد فى القنوات الفضائية التى انتشرت فى السنوات الأخيرة متزامنة مع بدء تنفيذ استراتيجية الفوضى الخلافة فى العالمين العربى والإسلامى، ويتنافس الدعاة الجدد فى إثارة قضايا غريبة بتأثير سحر التليفزيون والسعى إلى النجومية والشهرة والثروة، حتى أصبح بعضهم يقدم ما يشبه العرض المسرحى مما جعل العاملين فى القنوات الخاصة يعتبرون برامجهم "فتوى شو"!
لقد أصبحنا فى عصر التخصص الدقيق، فلم يعد الاجتهاد الفردى فى الفقه مناسبًا للعصر، بينما يعتمد التقدم فى جميع مجالات المعرفة على التفكير الجماعى الذى يحقق تكامل الرؤى.
وقد طاللب فضيلة المفتى أخيرًا، بأن تكون هناك جهة مختصة لضبط الإفتاء فى الدين، وهذا المطلب يجب ألا يترك للنسيان كالعادة، بأن الأمة تعانى غياب الكرجعية الدينية، وفى السابق كانت هيئة كبار العلماء تمثل المرجعية، وكانت تحقق الاستقرار فى ساحة الفكر الدينى، لاطمئنان الخاصة والعامة من المسلمين إلى أن ما يصدر عنها فى شئون دينهم ودنياهم إنما يصدر عن جماعة موثوق فى عملها ورأيها، وبعد دراسة متأنية ومستوفية، ولذلك لم يكن فى ذلك الوقت ما نشكوا منه اليوم من الاضطراب والبلبلة – بل والفوضى – واهتزاز المصداقية فى الساحة الدينية، والمفترض أن تكون ثقة المسلمين فى علمائهم وهيئاتهم الدينية ثقة مطلقة.
نحتاج الآن إعادة هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر وعضوية كبار العلماء من مختلف الدول ومن جميع التخصصات والمذاهب المعتمدة، لتكون هى المرجعية العليا فى الرأى والفتوى ولتحسم الاختلافات وتبين للناس الصحيح والفاسد مما يقال لهم، وتقطع الطريق عن الذين يحاربون الإسلام بسلاح من صنع علمائه، وتعيد إلى الصواب الذين يسيئون إلى الإسلام ربما بحسن نية وبغير وعى بما يحاك للإسلام والمسلمين فى الخارج والداخل، والله المنجى.