الأزهر فى مفترق طرق
في الأزهر الآن تيار إصلاحي يطالب بالتجديد ومسايرة روح العصر, ولكن القوى المحافظة التى تتمسك بكل ما هو قائم وترفض التغيير تقاوم هذا التيار وتوجه اليه الاتهامات الجاهزة التي سبق أن أعاقت مسيرة الإصلاح منذ الإمام محمد عبده.
التيار الإصلاحي يستلهم الحديث الشريف الذي يبشرنا بأن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لنا أمور ديننا, ويرون أن فى هذا الحديث دعوة لتجديد المفاهيم في كل عصر بما يناسب ما تصل إليه العقول والحضارة الإنسانية من تقدم, مما يعنى أن الجمود ورفض التطور واسباغ القداسة علي الأفكار والمفاهيم القديمة دون تمييز أمور تخالف روح الإسلام.
المشكلة الأولى التى تعوق تحديث الأزهر أن بعض شيوخنا ذوى المقام الرفيع يعتبرون أى حديث عن التطوير والتجديد اعتداء على الأزهر ومؤامرة عليه وعلى علمائه.
مع أن المطالبين بالتحديث هم الحريصون على ألا يتخلف الأزهر عن ملاحقة الإيقاع السريع للتطور فى النظم الاقتصادية والسياسية والنظريات العلمية، وفى وسائل الإعلام والاتصال، وفى الوقت نفسه فإنه العولمة جعلت المجتمعات تتقارب أكثر من أى عصر مضى وانتقال الأفراد والأفكار وأساليب الحياة والتطورات الحضارية تغزو كل مكان على الكرة الأرضية تقريبًا، فأين الأزهر من كل ذلك؟ هل يبقى كما هو وكل شىء يتحرك ويتغير، ونحن فى عالم من لا يتقدم فيه فإنه يتأخر، ومن يتأخر قد يستحيل عليه أن يعوض ما فاته.
الأزهر هو قلعة الإسملان الحصينة، وهو خط الدفاع الأول – والأخير – ضد الغزو الفكرى والتعصب، وعلماؤه العظام كانوا هم قادة حركة اليقظة الوطنية، ولذلك فإن الوقت قد حان للتفكير فى بعض القضاسا المتصلة بإعادة الأزهر إلى موقعه كقيادة روحية واجتماعية للعالم الإسلامى، ومن هذه القضايا:
أولاً: إن فى دول أفريقيا وأوروبا، وفى الهند والصين عشرات الملايين من المسلمين يتطلعون إلى أن يمد الأزهر إليهم يده ويساعدهم على معرفة أمور دينهم، ولكن وجود الأزهر فى هذه المجتمعات الإسلامية غائب أو حدود جدًا، ولا يزيد على إرسال واعظ فى شهر رمضان وغالبًا لا يجيد لغة المسلمين فيها، وأذكر فى آخر زيارة لى إلى الصين أن المسئولين عم الجمعيات الإسلامية فيها كانوا يتحدثون عن فضل الأزهر فى إعداد الوعاظ الصينيين، ولكنهم يرون أن عدد المنح التى يقدمها الأزهر أقل بكثير من تغطية احتياجات أكثر من عشرين مليون مسلم فى الصين.
والملاحظة نفسها سمعتها فى الهند، وفى روسيا، وههذ هى رسالة الأزهر.. أن يوفر بعثات دائمة إلى أنحاء العالم بشرط إعداد الدعاة والوعاظ إعدادًا جيدًا بما فى ذلك معرفة طبيعة وعادات وحضارة ولغات المجتمعات التى يوفدون إليها.
ما يحدث الآن أن معظم الوعاظ لا يجيد إلا اللغة العربية، فلا يفهمهم إلا أبناء الجيل الأول من المهاجرين من البلاد العربية، أما أبناء الجيلين الثانى والثالث فلا يجيدون اللغة العربية.
وههذ الحقيقة أدركتها الكنيسة المصرية، وتعاملت معها بامتياز منذ سنوات، فالكنائس المصرية منتشرة فى أنحاء أوروبا والولايات المتحدة "نحو 120 كنيسة و7 أديرة" ورجال الدين المصريون فيها يجيدون لغة كل بلد يعملون فيها، وينظمون برامج لتعليم اللغتين العربية والقبطية أبناء الجيلين الثانى والثالث من المهاجرين، ويشرفون على تكوين تجمعات ومجتمعات أبناء الوطن لتوثيق العلاقات بينهم ومساعدة من يحتاج إلى مساعدة، وأعتقد أن هذا هو المحول الأول للتطوير لتمكين الأزهر من القيام بمسئوليته العالمية ورعاية المسلمين فى الخارج، لأنه الأزهر ليس لمصر وحدها ولكنه للمسلمين جميعًا بل إنه للعالم كله، وفى رحلات الإمام الأكبر الخارجية يجد فى انتظاره دائمًا مطالب بزيادة المنح للشباب للدراسة فى الأزهر وزيادة بعثات الأزهر للإقامة الدائمة فى البلاد الإسلامية غير العربية.
ثانيًا: إن مجمع البحوث الإسلامية يحتاج إلى إعادة نظر لتحديد دوره بعد أن تقلص هذا الدور، ولم يبقى منه إلا فحص بعض الكتب واتخاذ قرار بمصادرتها أو منع طبعها وتوزيعها، ولم نعد نسمع أى نشاط آخر له مع تجميد عمل لجان المجمع تقريبًا وعدم وجود خطة لعمل المجمع، بينما المفروض أن يكون هذا المجمع هو جهاز التفكير والتخطيط والبحث والتجديد فى الفقه والتفسير وتنقية التراث مما فيه من أخطاء إسرائيليات، ولم يعد مقبولاً أن يستمر حال هذا المجمع على ما هو عليه فى وجود علماء كبار فيه قادرين على القيام برسالتهم على أكمل وجه.