أين الشيخ محمد عبده؟

تبدو ساحة الفتوى والفكر الدينى مستباحة حتى وصلت إلى حد الفوضى. الفوضى فى الأفتاء, والفوضى فى الدعوة واعتلاء المنابر, والفوضى فى نشر واصدار كتب تعود بعقول قارئيها إلى عصور الظلام والنحطاط والجمود. والمسئولون فيها مشغولون بأمور يعلما الله ويعلمها الناس – أو غير قادرين على وضع أمور الدين فى نصابها.

الساحة الدينية الآن فى حاجة إلى الشيخ محمد عبده رائد التجديد والاصلاح الدينى. والحديث الشريف يبشر المسلمين بظهور من يجدد لهم أمور دينهم على رأس كل مائة عام, وها قدمضى على رحيله أكثر من مائة عام ( 1905) الساحة فى حالة ترقب وانتظار لمن ينقذنا من العبث بأسم الدين فى بعض الفضائيات التى تنشر الخرافات وتفسد العقول وتجب العامة والسذج إلى حالة من فقدان الرشد والبعد عن صحيح الإسلام. فضلاً عن نجوم الفتوى الذين ظهروا فى الفضائيات فى وقت متزامن مع نجوم الغناء الرخيص, واستغلوا الفراغ الذى تركه غياب الشيخ الشعراوى بحضوره الطاغى وشعبيته الجارفة وشوق الملايين إلى ظهور من يملأ هذا الفراغ فظن كل منهم أنه – بأسالبيه البهلوانية وروايته الغريبة التى يأخذه من الكتب الصفراء دون تحميص أو تدبر- قادر على أن يكون البديل.


نحتاج الآن إلى محمد عبده الذى كان داعية بحق وصاحب رسالة للتنوير, ولم يعل الدين تجارة يتكاسب منها ويجنى منها ثروة لا تقل عن ثروات رجال البيزنيس. محمد عبده أرسى منهجًا إسلاميًا صحيحًا يربط بين الدين والعقل والحياة والمجتمع فى وحدة لا تنفصل أبدًا, وكانت رسالته أن يقدم للناس مفاهيم ايجابية تصلح احوالهم فى دنياهم. وظل يشرح للناس أن الإسلام هو دين الحرية والكرامة وحرية الإرادة الإنسانية وأن الأنسان هو صانع أعماله, ولذلك فهو مسئول عنها أمام الله وأمام المجتمع. وبذلك كان داعية لرفض التواكل والاستسلام, ومحاربًا للخطاب الدينى الذى يحرض الناس على انتظار أن تحقق لهم السماء ما يريدون دون أن يعملوا هم لتحقيق ما يريدون, وهو يفسر الآية: "وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة.." بأنها أمر من الله بأن يعمل المسلمون على اكتساب بما نسميه اليوم عناصر القوة الشاملة, فيقول إن هذه الآية تفرض على المسلمين أن تكون لهم القوة الاقتصادية وأن يمتلكوا أسرار العلوم والصناعة, وأن تكون حياتهم فى المعامل والمصانع والمناجم والمزارع أكثر من حياتهم فى المساجد لأن العمل عبادة بل هو أفضل العباداتو وكل ما ينفع الناس فيه قربى إلى الله. وهو تذكر المسلمين بما كان لهم فى الروب الصليبية من انتصارات أدهشت الألبان.


الشيخ محمد عبده هو الذى تصدى مبكرًا للمتاجرين بالدين, وهو الذى تحدث بصراحة عن أسباب ضعف المسلمين فقال إن السبب الأول لذلك هو ظهور رجال أرتدوا الزى الدينى لم تكن دعوتهم هى دعوة الإسلام, فدعوة الإسلام دعوة للعلم وللعقل وللقوة وللعمل, ولكنهم أفاضوا فى إقناع الناس بالخرافات والبدع وتشجيع الناس على التواكل والكسل, ونشروا الأحاديث المكذوبة. ويذكر الشيخ محمد عبده دفاعه عن الإسلام فى مواجهة المستشرقين الذين روجوا فى الغرب فكرة أن الإسلام هو سبب تخلف المسلمين, وشرح الفرق بين الإسلام والمسلمين وعدم جواز الحكم على الإسلام بأحوال المسلمين. وهو الذى واجه رجال الدين الذين يتحدثون عن ماضى المسلمين فلا يركزون على ما حققته الحضارة الإسلامية من تقدم فى علوم الطب والكيمياء والصيدلة والرياضيات والفلك وغيرها, ومدى اهتمامهم بالترجمة والتفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى, وهذا هو الوجه الحقيقى للإسلام وحضارته.

هذا بعض ما يجعل المسلمين فى حاجة إلى ظهور رجل مثل الشيخ محمد عبده يجدد لهم دينهم ويقود مسيرة التجديد والإصلاح الدينى بعد أن خلت الساحة لدعاة الجمود والخرافة.


 




جميع الحقوق محفوظة للمؤلف