قضية حياة أو موت!

رغم أنها قضية حياة أو موت إلا أن الخلافات حولها استمرت منذ عشرين عامًا وإلى اليوم. وقد حسمتها معظم دول العالم المتقدمة والمتخلفة ولم نستطع أن نحسمها.. فالخلاف قائم حول قانون نقل الأعضاء من الموتى لإنقاذ حياة مريض, بين الأطباء أنفسهم, وبين رجل الدين, ورجال القانون, وكل معسكر منقسم على نفسه, وبذلك يمكن أن يستمر الخلاف إلى ما لا نهاية وفى كل يوم يموت عشرات كان من الممكن إنقاذهم بنقل قلب أو كبد.

وهناك قصة معروفة عن أحد الدعاة كان قد أفتى بأن نقل الأعضاء من الموتى حرام شرعًا, ثم احتاج إلى جراحة عاجلة لنقل عضو من ميت ولم يتمكن إجرائها فى مصر لعدم وجود قانون يسمح بذلك فسافر إلى الخارج وأجريت له العملية بنجاح واستند بعد لك إلى رأى أساتذة الطب الذين يقررون أن المراجع العلمية لا تذكر حالة واحدة عاد فيها الإنسان إلى الحياة أو الوعى بعد موت جذع المخ, وهذا ما جعل الدول الإسلامية المتشددة تسمح بنقل الأعضاء فى هذه الحالات.

على الجانب الآخر هناك مخاوفة من أن تتحول المسألة إلى تجارة ونحن فى زمن عز فيه الضمير, والبعض يرى أن لحظة الحكم بالموت ما زالت موضوع خلاف, هل الموت يتحقق بمجرد موت جذع المخ أم بتوقيت القلب أيضًا. وذكرت الزميلة مها عبد الفتاح فى مقال بجريدة أخبار اليوم أنها تابعت وهى فى الولايات المتحدة عام 1997 حملة على مستشفى كليفلاند أشهر المراكز فى جراحات القلب متهمة إياها بالتعجيل بموت بعض من يرى أطباؤها أنهم ميئوس من شفائهم من المتبرعين بأعضائهم وذلك لنقلرالقلب وهو ينبض، وتساءلت: هل الأجدى إعطاء فرصة الحياة لمريض بزارعة عضو من مريض آخر فى سكرات الموت، وهل يحق الأخذ بأول بادرة للموت، ورأت أن الأفضل الانتظار إلى أن يتوصل العلم إلى الحصول على أعضاء بشرية من الحلايا الجذعية من الأجنة التى لم تدب فيها الحياة.


وفى عام 1997 أعد الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة فى ذلك الوقت مشروع قانون لنقل الأعضاء وأرسله إلى فضيلة شيخ الأزهر، وعرض المشروع على مجمع البحوث الإسلامية فأجرى المجمتع بعض تعديلات منها النص على تعريف الموت بأنه مفارقة الروح للجسد مفارقة تامة تستحيل بعدها عودته إلى الحياة، ويتم التحقيق من ذلك بواسطة لجنة من ثلاثة أطباء متخصصين على الأقل ليس من بينهم الطبيب الذى سيجرى عملية زرع العضو، وبشرط أن يكون الميت قد أوصى بالتبرع بأعضائه أو أن يشهد أثناء من ورثته بذلك، وإذا كان الميت مجهولاًا أو محكوم عليه بالإعدام يكون الإذن من السلطة المختصة، وفى جميع الأحوال يعتبر بيع الأعضاء جريمة يعاقب من يرتكبها، ويشترط ألا تؤدى العملية إلى اختلاط الأنساب. ويحذر إجراء هذه العمليات فى غير المراكز الطبية التى يحددها وزير الصحة ووفقًا للضوابط والشروط التى يحددها، ويعاقب بالحبس والغرامة كل من اشترك فى عملية استئصال أو نقل الأعضاء فى غير المراكز المقررة وبنفس العقوبة فى حالة الغش فى تطبيق هذا القانون. وبعد ذلك أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانًا بما توصل إليه فى جلسته فى 24 أبريل 1997 شرح فيه الأسالنيد العلمية والشرعية لقراره بالموافقة على نقل الأعضاء من الميت وأهمها القاعدة الفقهية المشهورة "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف" وقال المجمع إن الضرر الأشد هو تعرض الإنسان للهلاك أو للمرض الشديد، والضرر الأخف هو أخذ شىء من إنسان ميت لعلاج إنسان حى فى خاجة شديدة إلى ذلك، وأشار المجمع إلى أنه اعتمد على فتاوى مماثلة لكبار شيوخ الأزهر: الشيخ حسن مأمون، والشيخ جاد الحق على جاد الحق، والدكتور محمد سيد طنطاوى، كما اعتمد ما قررته لجنة الفتوى بالأزهر عن هذا الموضوع سنة 1981 بالإضافة إلى مجامع فقهية فى بلاد إسلامية، وكثير من الدول العربية الإسلامية تتم فيها هذه العمليات منذ سنوات.        


ولقد رجعت إلى آراء ععد من كبار أساتذة جراحة المخ والأعصاب فوجدت بينهم اختلافا فى الرأى، فالدكتور شريف عزت رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بطب الأزهر يقول إن فى جذع المخ توجد المراكز التى تتحكم فى الوظائف الحيوية لجسم الإنسان فى نبض وتنفس وخلافه ويعتبر جزءًا من أجزاء المخ. وحين تتدهور وظائف المخ يؤدى ذلك إلى خلل بالوظائف الحيوية للجسم يصل إلى توقف التنفس والدورة الدموية وعدم جدوى وسائل الإسعاف المختلفة، وهذا هو الموت بكل مظاهره المتعارف عليها، ومؤدى ذلك أن موت جذع المخ هو مرحلة اللاعودة للحياة ورسالة الطبيب كما أنها الرعاية ومعاونة المريض للحفاظ على حياته فى أحسن أحوالها، فإنها أيضًا تتطلب منه التيقن من موت أىإنسان بالتأكد من توقف جميع مظاهر الحياة فيه قبل إعلان وفاته. أما الدكتور محمود المتينى أستاذ جراحة الكبد بطب عين شمس فإنه يتحدى أن يقدم أحد دليلاً على عودة ميت جذع المخ إلى الحياة فى أى مرجع علمى أو فى أى واقعة حدثت فى أى مكان فى العالم. وإن البعض يخلط بين موت جذع المخ وحالة الغيبوبة العميقة التى يمكن العودة منها. وما دام موت جذع المخ هو الموت حتمًأ فلماذا نحرم إنسانًا آخر من فرصة للحياة؟


ويبقى الملف مفتوحًا لاستكمال البحث.


 





جميع الحقوق محفوظة للمؤلف