أخطاء الحسابات الأمريكية

فى الولايات المتجدة الآن عملية نقد ومراجعة واسعة النطاق للسياسة التاريخية – والداخلية – للإدارة الحالية التى تمثل تيار الأصولية الدينية والمحافظين الجدد. ففى الكونجرس مواقف وقرارات تعارض هذه السياسية, وفى الصحافة ومراكز التفكير والجامعات نداءات تطالب بالتراجع عن هذه السياسة, وفى الشارع مظاهرات ومسيرات احتجاج للضغط على هذه الإدارة للتراجع عن سياستها العدوانية وتلتزم بالقيم الأمريكية. وتتجلى الديمقرايطة الأمريكية فى هذه التيارات التى تزداد قوة يومًا بعد يوم, وتنذر هذه الإدارة بأن تاريخها سيكون الأسوأ, وتهدد الحزب الجمهورى الحاكم بالفشل فى انتخابات الرئاسة المقلبة.


وعلى سبيل المثال فإن البوفيسور مارك لينش أستاذ العلوم السياسية الأمريكى يرى أن الإدارة الأمريكية الحالية تعمل فى الشرق الأوسط بدذات المبدأ الذى يعمل به أسامة بن لادن, وملخصه أن الجميع يراهنون على الحصان القوى, ولذلك فإن على أمريكا أن تظهر قوتها لكى يسير العالم تابعًا لها ومنفذًا لإرادتها. ومجموعة القيادة فى البيت الأبيض جاءت بتصور جاهز هو أن مشكلات أمريكا فى الشرق الأوسط ترجع إلى خطأ الإدارات السابقة, لأنها أتخذت ردود فعل ضعيفة فى مواجهة الهجمات الإرهابية على المواقع والمصالح الأمريكية فى الثمانينيات والتسعينيات, وعليهم أن يعملوا على إعادة الهيبة للقوة الأمريكية حتى يسلم العالم بهذه القوة, وقد اختارت الشرق الأوسط – حيث توجد إسرائيل – لتقديم استعرضات القوة وفرض النفوذ.


ويصل أستاذ العلوم السياسية الأمريكية مارك لينش من هذا التحليل إلى أن هذه العوامل, بالإضافة إلى تدخلها الفج فى الشئون الداخلية للدول ذات السيادة, أدت إلى انتشار العداء لأمريكا لدى مختلف الفئات الاجتماعية بما فى ذلك الليبراليون والمثقفون العرب المتأثرون بالفكر والثقافة الغربية, ولم يعد للإدارة الأمريكية من يستطيع الدفاع عن سياساتها العدوانية سوى قلة من المنتفعين. وترتكب الإدارة الأمريكية خطأ آخر بالنظر إلى هذا الشعور بالعداء على أنه بسبب أختلاف الثقافات, كما يروج البعض, كما ترتكب خطأ ثانيًا بعدم إدراك أثر التأييد الأمريكى لسياسة إسرائيل العدوانية – التوسعية. وترتكب خطأ ثالثًا بسيايتها التى تستهين بالمؤسسات الدولية وبالقانون الدولى وحتى بالأصدقاء والحلفاء, وترتكب خطأ رابعًا باتباع أسلوب فج فى العلاقات الدوزلية وعدم الاستماع إلى آراء الآخرين.. وسلسلة الأخطاء مستمرة!


من هذه الافتراضات المضللة التى يعتنقها المحافطون الجدد أن العرب لا يحترمون ألا القوة, أما التعامل معهم بالعقل فإنهم يقابلونه بالاستهانة ويعتبرونه من علامات الضعف, ولذلك فإن الطريقة التى تناسبهم هى كراههم واخضاهم. وترى هذه الإدارة أن الرأى العام العربى ليست له قيمة, وأن نظم الحكم القائمة قادرة على السيطرة على غضب الشعوب ويمكنها تجاهل الغضب الشعبى, وأن مشاعر الكراهية والغضب يمكن اغفالها من حسابات السياسة الأمريكية, لأن الغضب وكراهية الآخر جزء من الثقافة العربية والإسلامية, تعبيرًا عن الحقد من الضعيف تجاه القوى والفاشل تجاه النجاح, وهذا ما عبر عنه الرئيس بوش عقب أحداث 11 سبتمبر حين قال: إنهم يكرهون ديمقراطيتنا ويريدون تدمير القيم الأمريكية. ولدى المحافظين الجدد تفسير للغضب الشعبى العربى تجاه أمريكا بأنه من صنع القادة الذين لا يتمتعون بالشعبية فى بلادهم, فيعملون على صرف الانتباه الشعبى بعيدًا عن عيوبهم ويوجهونه إلى أمريكا, وبعض مفكرى هذا التيار يلجأ إلى التبسيط الساذج فيقول إن العداء لأمريكا ناتج عن سوء فهم السياسة الأمريكية وأهدفها, ويمكن التغلب عليه بالإعدام والدعاية. وهذه كلها أخطاء فى الحسابات ليس من السهل معالجتها ولكن على الإدارة الأمريكية أن تبدأ فى العمل بسياسة جديدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصداقية وهيبة أمريكا.


مارك لينش ليس وحده الذى ينتقد أخطاء الإدارة الأمريكية فى الشرق الأوسط, ولكنه نموذج من المفكرين الأمريكيين الذى يعبرون عن القيم الديمقراطية الأمريكية بحق.


 




جميع الحقوق محفوظة للمؤلف