دفاع قبطى عن الرسول

من أهم الكتب التى صدرت للرد على إساءة بابا الفاتيكان للرسول كتاب بعنوان:‏ "عبقرية محمد‏-‏ بلا تعصب أو مجاملة"‏ تأليف كاتب قبطى أرثوذكسى قريب الصلة بالكنيسة هو الدكتور نبيل لوقا بباوى الحاصل على الدكتوراه ثلاث مرات‏,‏ منها دكتوراه فى الشريعة الإسلامية‏.

وليس غريبًا أن يتصدى الدكتور بباوى لاتهامات بابا الفاتيكان للرسول فقد سبق أن أصدر عدة كتب‏, ناقش فيها افتراءات المستشرقين على الإسلام وعلى النبى منها‏:‏ الإرهاب صناعة غير إسلامية‏,‏ وانتشار الإسلام بالسيف بين الحقيقة والافتراء‏,‏ وزوجات الرسول بين الحقيقة والافتراء‏,‏ ومحمد والخناجر المسمومة الموجهة إليه‏,‏ والإسلام والتعايش السلمى مع الديانات الأخرى‏,‏ والاعتراف بالآخر فى الإسلام‏,‏ وغزوات الرسول هل كانت للحصول على الغنائم‏,‏ وحياة محمد‏..‏ وهو يفسر هذا الاهتمام بشرح حقيقة الإسلام فى مواجهة الحملات الشرسة عليه فى الغرب بأنه يسعى إلى بناء ثقافة المحبة بين المسلمين والمسيحيين تأكيدًا لمبدأ المواطنة‏,‏ وقد بدأها العقاد بكتابه الشهير‏ "عبقرية السيد المسيح" وقرر أن يسير على خطى العقاد‏,‏ فتناول فى كتابه الجديد جوانب العبقرية فى شخصية الرسول التى جعلته نموذجًا للكمال الإنسانى فى نشأته وشبابه وفى إنسانيته وأخلاقه وفى إقراره لمبدأ الشورى وفى أمانته فى التبليغ عن ربه‏.


يقول الدكتور بباوى‏:‏ إن مبدأ المواطنة منصوص عليه فى مقدمة الدستور الأمريكى الصادر عام‏ 1787‏ وفى الدستور الفرنسى‏1957‏ وفى دساتير دول متقدمة عديدة‏,‏ لكنه اكتشف أن هذا المبدأ فى الأصل مبدأ قرره الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا بالمساواة في المجتمع الإسلامي بين المسلمين وغير المسلمين مساواة تامة فى الحقوق والواجبات‏. وجاء النص على ذلك فى الحديث‏: "لهم مالنا وعليهم ما علينا"‏ كما أنه اكتشف أن الإسلام أرسى مبدأ الحرية الدينية قبل الثورة الفرنسية وقبل ميثاق حقوق الإنسان وقبل نشأة الدول التى تنصب نفسها راعية للحرية الدينية بقرون‏,‏ وذلك حين قرر الإسلام أن إرادة الله شاءت أن يختلف البشر فى اللون والجنس والإنتماء الوطنى والقبلى‏,‏ وكذلك الإختلاف فى الدين وأن هذا الاختلاف دائم إلى يوم القيامة "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين‏" سورة هود ‏- ‏الآية ‏118-‏ كما أن الإسلام أرسى مبدأ يمثل قمة الرقى فى التعامل مع المختلفين فى العقائد وهو ألا يعطى أحد لنفسه الحق فى الحكم على صحة عقيدة الآخر وأن يترك الحكم لله وحده "الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون" كما جاء فى سورة الحج الآية ‏69,‏ وهذا المبدأ هو الذى يرسى السلام بين أصحاب العقائد المختلفة‏,‏ لأن المسيحى لن يغير إنجيله ولن يغير المسلم قرآنه ولا سبيل أمام الجميع سوى الحوار فى المسائل التى يتفقون عليها‏ (‏ وهى الأكثر‏)‏ وعدم الخوض فى نقاط الاختلاف اللاهوتية وترك الحكم عليها لله وحده‏. أما تجار الدين والمتعصبون من أبناء الديانات هنا وهناك فإن تجارتهم هى إثارة المشاعر والتوقف عند نقاط الخلاف وحدها وتجاهل نقاط الأتفاق‏,‏ وهذه التجارة لا بد أن تبور حين يكتشف الجميع أن هناك رابطة تجمعهم هى الإيمان بالله وإن اختلفت بعض الأفكار والعقائد بينهم وأن هذه الرابطة تدعوهم إلى التعاون فى مواجهة موجة الإلحاد التى تنكر الأديان جميعًا‏.‏ والاحتكام إلى العقل والمصلحة يقود إلى الحقيقة الخالدة التى كشف عنها القرآن "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" وحينئذ يدرك العقلاء أن الحروب بين أصحاب الديانات والمذاهب ليست سوى‏‏ "حروب الشياطين". فليس هناك مؤمن بالله يرضى عن بحور الدماء التى سالت فى المعارك بين طوائف المسلمين ‏(‏السنة والشيعة والخوارج‏)‏ وبين طوائف المسيحيين ‏(الارثوذكس والكاثوليك والبروتستانت‏)‏ ولا يمكن أن تكون هذه الحروب هى ما أراده الله حين أنزل الديانات وشاءت إرادته أن يخلق البشر شعوبًًا وقبائل ليكون الاختلاف بينهم مدعاة للتعارف والتعاون والتكامل‏.

ويطالب الدكتور بباوى رجال الدين والمثقفين بنشر ثقافة جديدة فى مواجهة ثقافة التعصب الدينى‏.‏ ثقافة دينية تقوم على التسامح وتؤمن بالحوار وتتصدى لتيار التكفير الذى أدى إلى تكفير الفرق المسيحية والإسلامية بعضها بعضا‏.

وهكذا‏..‏ لا يعدم الإسلام من يدافع عنه من أصحاب الضمائر الحية والعقول المتفتحة ويؤمنون بضرورة التقارب بين المؤمنين بالله‏,‏ فهم‏,‏ مهما اختلفوا‏,‏ فى معسكر واحد‏..‏ معسكر الإيمان‏.


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف