ذكرى شوقى ضيف

بعد أيام معدودة تحل ذكرى رحيل الدكتور شوقى ضيف مجمع اللغة العربية ورئيس المجامع اللغوية العربية السابق, وأستاذ الأدب العربى الذى تتلمذ عل يديه عشرات من الأساتذة الكبار, والحاصل على جائزة الدولة التقديرية وجائوة مبارك وجائزة الملك فيصل فى الأدب وهما أكبر الجوائز فى العالم العربى, والمرشح لجائزة نوبل وكان أسمه أقرب إلى نيل الجائزة لولا قضاء الله, ومع كل ذلك فإن وزارة الثقافة واجهزتها تبدو مشغولة بأمور أخرى غير إحياء ذكرى هذا الرجل العظيم الذى يفخر به العالم العربى وليست مصر وحدها.


وزارة الثقافة واجهزتها مشغولة دائمًا بالأعداد لمهرجانات السينما والغناء والمسرح, وبالسهرات والاحتفالات المظهرية التى تدل على أن القمم الشامخة التى لا يجود الزمان كثيرًا بأمثالها مكتوب عليهم أن يلقوا التكريم فى خارج مصر فى حياتهم وبعد رحيلهم بأكثر مما يقلوه داخلها, ومع ذلك فلا تزال الفرصة قائمة لتدارك الأمر وأظهار شىء من العرفان لن يفيد شوقى ضيف ولكن يفيد الأجيال الجديدة ويقدم لها نماذج من العبقرية والاجتهاد والمثابرة يمكن أن تلهمهم بالأقتداء بها.


وقد اقتربت كثيرًا من الدكتور شوقى ضيف لسنوات تقارب 12 سنة كنت خلالها رئيسًا لدار المعارف ومؤلفاته فيها بلغت 50 كتابًا أعيد طبع بعضها 24 طبعة, وهو الوحيد فى مصر الذى تجاوزت مبيعات الكتاب الواحد منها 100 ألف نسخة, وترجمت كتبه إلى الانجليزية والفرنسية والتركية والفارسية والصينية وغيرها وغيرها.


وكانت مشكلتى فى هذه الفترة ملاحقه عمليات تزوير كتبه فى كثير من البلاد العربية إلى حد أنى استعنت بجهاز حماية الملكية الفكرية فى وزارة الداخلية وبالبوليس الدولى "الانتربول" لضبط عشرات الشاحنات والمخازن مليئة بالنسخ المزورة, وبينما كنت أتميز غيظًا من هذا العدوان على كتبه كان هو هادئًا, بل خيل إلى فى بعض الأحيان أنه كان سعيدًا ويرى فى استمرار وزيادة عمليات التزوير مؤشرًا لأهمية هذه الكتب التى اصبحت مقررة على الطلبة الذين يدرسون الأدب العربى واللغة العربية فى جميع الجامعات العربية تقريبًا, ويقول لى: دعهم يسهلون الحصول على هذه الكتب لمن يحتاج إلى الاستفادة منها.


وقد صدرت كتب كثيرة عن شوقى ضيف أخرها وأهمها كتاب الدكنور محمود المناوى أستاذ الطب الشهير وعضو مجمع اللغة العربية من منشورات مركز الأهرام للترجمة والنشر وهو سجل لحياة وأعمال شوقى ضيف يفيض بمشاعر الوفاء والعرفان لمكانة شوقى ضيف فى تاريخ الثقافة والأدب واللغة العربية, وتكفى إشارة إلى موسوعة الأدب العربى التى تضم عشرة أجزاء فى كل منها دراسة أدب كل عصر من العصور من الجاهلية إلى العصر الحديث شاملة للحياة الاجتماعية والفكرية فى كل منها.


وقد دافع شوقى ضيف عن الإسلام وأثبت كذب الإدعاءات بأنه دين حرب وعدوان, وشرح حقيقة ما أعتاد عليه مؤرخو السيرة من الحديث عما يسمونه "غزوات الرسول" مما أوحى إلى المستشرقين بأنها كانت حروبًا عدوانية بينما كانت فى حقيقتها مسيرات لعقد معاهدات وأحلاف مع القبائل وأكثرها مسيرات سليمة لم يلق فيها الرسول صلى الله عليه وسلم حربًا ولا قتالاً. ولقد دافع شوقى ضيف عن اللغة العربية ووضع منهجًا متكاملاً لتيسير قواعد النحو, ودرس موضوع الإعجاز العلمى فى القرآن, ورأى أن فى ربط القرآن بالنظريات والاكتشافات العلمية ما يخرجه عن هدفه الأساسى, وحقائق العلوم ليست يقينية, بل إن ما يميز العلم ومناهجة هو اللايقين. والأولى أن يوجه الإعجاز العلمى للقرآن إلى معجزة أكبر هى نقل أمة قبائل معزولة عن الحضارة بمعناها الواسع إلى أمة ذات علم وحضارة.


فهو نجم من النجوم التى أضاءت سماء الفكر والثقافة مع أقرانه: طه حسين والعقاد, وأحمد أمين, ومصطفى عبد الرازق, وأمين الخولى.. ويكفى ما يلقاه من تكريم كل يوم على يد الدارسين فى أنحاء العالم العربى الذين ينهلون من مؤلفاته فى الجامعات والمراكز الثقافية العالمية.. ويكفى ما ترجم من كتبه إلى اللغات الأجنبية التى جعلت مكانته تتجاوز المحلية إلى العالمية, فلا حاجة له إذن بتكريم جديد من وزارة الثقافة المصرية المشغولة بمهرجانات السينما وخلافه!


 




 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف