صناعة استراتيجية فى خطر!


لم أكن أتصور أن صناعة الغزل والنسيج فى مصر قد ةصلت إلى درجة تنذر بانهيارها إن وصلنى تقرير الأمين العام للنقابة العامة للغزل والنسيج السيد فتحى نعمة الله بما فيه من أرقام وحقائق موثقة ترسم صورة مختلفة عن الصورة التى تقدمها الحكومى للإعلام.

على سبيل المثال فإن شركة مصر حلوان اقترضت 95 مليون جنيه لتجديد الماكينات وتحسين الإنتاج فانتهى بها الكطاف إلى أن بلغت خسائرها فى سنة واحدة "2005 – 206" 243 مليون جنيه وتطالبها البنوك بمبلغ 475 مليون جنيه قيمة الفوائد على قروض تزيد على مليار جنيه. وكان عدد العاملين بالشركة 24 ألف فى عام 1990 فأصبح عددهم 4 آلاف فقط، منهم 2000 عامل يتقاضون رواتبهم بدون عمل منذ عشر سنوات!

وشركة القاهرة للمنسوجات الحريرية التى كان يعمل بها 66 آاف عامل تراكمت عليها خسائر وديون للبنوك "40 مليون جنيه" وأدى الأمر إلى تصفيتها وخرجوا معظم عمالها إلى المعاس ونقل ما تبقى منهم إلى شركات أخرى.

يقول فتحة نعمة الله – الأمين العام للنقابة العامة – لقد أسدل الستار على هذه الشركة التى كانت من أهم الشركات التى نفخر بإنتاجها المتميز.

وشركة القاهرة للصباغة والتجهيز كان يعمل بها 5 آلاف عامل، تم تصفيها وبيع أرضها، وتم هدم المصنع وتحويل الأرض إلى أرض للبناء!

أما شركة المحلة الكبرى فهى قصة أخرى، فهذه الشركة تستهلك مليون قنطار قطن سنويًا، وبعد تحرير تجارة القطن وزيادة أسعاره 100 جنيه للقنطار ولم تستطع أن توفق أوضاعها مع هذهالزيادة فى ظل المنافسة مع المنتجات المماثلة المستوردة الرخيصة.. وواجهت جميع شركات الغزل والنسيج هذا المأزق.

أهم عوامل الخسارة أن الحكومة لم تساعد شركات الغزل والنسيج على تجديد الماكينات حتى تتمكن من إنتاج أقمشة وملابس تساير التطور الكبير الذى طرأ على تكنولوجيا هذه الصناعة، ومع سياسة الخصخصة توقفت الحكومة عن مساعدة هذه الشركات على تجاوز أزمتها، ومع ذلك لم تتم الخصخصة وبقى الحال على ما هو عليه  ما يقرب من 16 عامًا، وكل ما حدث هو بيع 4 شركات فقط وتصفية 4 شركات أخرى، وبقيت 20 شركة للقطاع العام تعمل فى هذه الظروف المستحيلة، حتى أنها لم تعد تعمل بأكثر من 40% من طاقتها وهى نسبة لا تكفى لتغطية مصروفاتها. على الرغم من أن من بينها شركات لا يمكن بيعها، مثل شركة المحلة وشركة كفر الدوار، وقد تقررت التصريحات عن برامج لإعادة هيكلة كلاً منهما وإدخال التكنولوجيا الحديثة لكى يعود إنتاجها إلى القدرة على المنافسة فى الأسواق الخارجية كما كانت.. وبعد ذلك فليس من شركات الغزل والنسيج ما يصلح للبيع سوى 4 شركات والباقى لم يعد صالحًأ للبيع.


ومع اختلال الهياكل المالية, وتقدم الآلات, وارتفاع أسعار القطن, فإن تهريب الأقمشة والغزول إلى السوق المصرية يتم بشكل منتظم مما يزيد من المشكلة يؤدى إلى ركود وتزايد المخزون, كما أن التلاعب المعروف فى نظام السماح المؤقت للمواد المستوردة لإنتاج أقمشة للتصدير أدى إلى إغراق السوق الداخلية بها بأسعار أرخص من إنتاج شركات القطاع العام، ويكفى أن نعرف أن الحكومة تسمح للشركات المستوردة بهذا النظام باحتساب 30% من الكميات المستوردة تحت بند الهلاك، وهى نسبة تفوق الحد المعقول وتفتح الباب للتهريب.


وأكثر من ذلك حددت الحكومة الجمارك على النسيج والغزول بأقل مما تلزمنا به اتفاقية التجارة العالمية ممما جعل المستوردين من الخارج فى وضع تنافسى أفضل من المنتجين المعتمدين على الخامات المحلية.


التقرير ملىء بالأرقام التى لا يمكن معها الانتظار أكثر من لك لمعالجة أوضاع هذه الصناعة الاستراتيجية التى كانت مصدر فخر مصر، وكانت لها شهرة عالمية، ولمصر فيها ميزة تجعلها قادرة على دخول السوق العالمية والمنافسة فيها، فمصر منتجة للقطن الممتاز، وفيها خبرات فنية وهندسية متميزة وتستعين بها دول أجنبية، وهذه النصاعات عمرها يزيد على مائة عام، وهى صناعة تستوعب عمالة كثيفة، والسوق المحلية والأسواق العربية وأسواق الدول الأفريقية والأوروبية يزيد فيها الطلب على الإنتاج الجيد من الأقمشة والملابس، فلماذا لا تتحرك الحكومة وتتخذ خطوات حاسمة لإنقاذ هذه الصناعة قبل أن يصبح الإصلاح مستحيلاً، ولا أريد أن أصدق ما يقال من أن هذا الإهمال مقصود لأن ذلك أمر لا يمكن تصديقه!


 



 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف