الإسلام فى فرنسا 1

حتى فرنسا التى علمت العالم الحرية والإخاء والمساواة تنتشر فيها الصورة المشوهة للإسلام بدرجى تثير القلق، وتكشف آلاف الكتب والمقالات وتصريحات المسئولين عن هذا العداء تصريحًا أو تلميحًا.

يقول الباحث الفرنسى جاك فريمو فى كتابه "فرنسا والإسلام" أن الصدام مع الإسلام بدأ مبكرأ جدًأ ولكنه تبلور فى العصر الحديث بعد احتلال فرنسا الجزائر، وبعد مؤتمر القربانى المسيحى الذى عقد فى قرطاجة وقرار الفاتيكان فى سنة 1922 بتوجيه البعثات التبشيرية إلى مضاعفة العمل على توسيع مملكة المسيح. وكانت نقطة التصادم مع الإسلام فى مصر التى شاهدت الاضطرابات والمقاومة للاحتلال البريطانى ثم ظهرت نقطة تصادم ساخنة مع الإسلام فى فلسطين وأصبحت مسرحا دائمًا للاضطرابات الدامية، وفى نهاية 1931 عقد فى القدس المؤتمر العالمى للإسلام وكان موضوعه النضال ضد الاستعمار وحماية الأماكن الإسلاميةالمقدسة، وبعد ذلك انتشرت أفكار محمد عبده المعادية للاستعمار حتى وصلت إلى المغرب والجزائر على يد عبد الحميد ابن باديس، وكان محور الإسلاح إحياء الهواية القومية على أساس الدين الإسلامى واللغة العربية، ثم ظهر فى المغرب علال الفاسى الذى قاد العمل السياسى فى هذا الاتجاه، ونشط رجال الدين الكاثوليك فى مناطق البربر، وانتشرت بعثات التبشير وأدى ذلك إلى انتشار الحساسية الدينية، وعاشت تونس والمغرب سنوات من الغليان الشعبى ضد الاستعمار الفرنسى، وفرضت سلطات الاحتلال الفرنسى الرقابة على رجا لالدين الإسلامى ولم تفلح فى السيطرة عليهم أو فى التضييق على المدارس الإسلامية.

وفى رأى جاك فريمو أن ثورة يوليو فى مصر التى دعمت ثورة الجزائر وأيقذت الشعور بالتضامن العربى، كانت من أسباب اشتراك فرنسا مع بريطانيا وإسرائيل فى العدوان على مصر 1956. وارتبط العداء للاستعمار الفرنسة بعد ذلك بالإسلام ، فحدثت تفجيرات فى فرنسا أدت إلى ما يشبه الحرب الأهلية حين اجتاحت المظاهرات باريس فى فبراير 1962، وانتهت بإعلان استقلال الجزائر ويستخلص جارك فريمو من ذلك أن فرنسا اكتشفت من خلال حرب الاستقلال فى الجزائر. وظهور الدعوة القومية أن الإسلام هو المحرك للشعوب ضد المصالح الغربية ويقصد طبعًا الأطماع الاستعمارية. أما تطور العداء للإسلام فى الغرب إلى مرحلة التوجس من "الخطر الإسلامة" فساهمت فيه عدة عوامل مثل احتجازالرهائن الأمريكيين فى مبنى السفارة الأمريكية فى طهران فى نوفمبر 1979 والتمرد فى الحرم المكى، والحرب بين العراق وإيران عام 198. واغتيال السادات 1981. وهكذا انتشرت فى المغرب المخاوف من التعصب الإسلامة والجهاد، ثم ازداد العداء بعد حوادث الإرهاب الأخيرة فى فرنسا، وقبلها محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإيرانى الأسبق شهبور بختيار فى باريس فى يوليو 1980 واغتيال الإمام القمى فى باريس أيضًأ وهو من زعماء الشيعة المنشقين على الخومينى، واغتيال سفير فرنسا فى بيروت فى سبتمبر 1981 وتفجير قنبلة فى إطار باريس – تولوز فى مارس 1982، وإطلاق الرصاص علنًا فى شارع روزبيه فى باريس فى سبتمبر 1982، وإعلان رئيس الوزراء فى ذلك الوقت بيير موروا أن عمال شركة رينو للسيارات الذين قاموا بأكبر اضطرابات شاهدتها فرنسا كانت تحركهم جماعات دينية "إسلامية"، وفى عام 1985 خطف عدد من الجنود الفرنسيين فى لبنان واحتجزا كرهائن، وروعت باريس من تفجيرات بالقنابل فى الأماكن العامة بين نهاية 1985 وخريف 1986. "يضاف إلى ذلك اضطرابات الضواحى الأخيرة التى أدت إلى استخدام أقصى درجات العنف من السلطات الفرنسية ضد المسلمين وتهديد ساركوزى بترحيلهم ززقزف الهجرة".

بعد استعراض طويل لأحداث أدت إلى تراكم مشاعر العداء يقول جاك فريمو أن الفرنسيين أصبحوا يشعرون بأن المسلمين يمكن أن يهددوا أمنهم فى عقر دارهم وليس الحال كما كان حتى عام 1962 عندما كان "الخطر الإسلامى" محصورًا فى مناطق بعيدة وراء البحار.

هل قامت المؤسسات الإسلامية بمسؤليتها فى مخاطبة الرأى العام والنخبة فى فرنسا لتوضيح أن هذه الصراعات وأحداث العنف هى فى حقيقتها صراعات سياسية, ولم يكن من أهدفها ترويع الشعوب فى أى بلد غربى, وأن الهدف الوحيد هو التعبير عن الغضب من الاعتداءات على حقوق وكرامة وإستقلال المسلمين فى بلادهم, وأن "الجهاد" لم يكن ألا "حركة تحرير"..؟


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف