مابعد الإسلاموفوبيا
أهتم بعض الكتاب والمراقبين فى العالم الإسلامى بظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) التى انتشرت فى الولايات المتحدة ودول أوروبا, وأنعكس تأثيرها على السياسة الخارجية وعلى معاملة المسلمين فى هذه الدول, ولم يهتموا بمتابعة التطور الذى حدث بعد ذلك وتحول المشاعر والفكر من الخوف من الإسلام إلى العداء للإسلام.
وهذا العداء ليس موجهًا إلى المنظمات والجماعات الإرهابية التى تدعى أنها الممثل الشرعى للإسلام, ولا حتى إلى المسلمين كبشر فيهم ما فى البشر من حسنات وسيئات, ولكنه عداء للدين الإسلامى ذاته ولكتابه ورسوله ومبادئه, ولم يكن إتهام بابا الفاتيكان سوى التعبير الرسمى لهذا الأتجاه حين قدم مسوغات العداء بإتهام الإسلام بالعدوانية وعدم الإيمان بالعقل, وقبل ذلك بسنوات كانت هناك مواقف وكتابات لا حصر لها لزعماء سياسيين, وقادة دول ومفكرين تعبر صراحة عن هذا العداء وكانت تستقبل بالتجاهل من المنظمات والمؤسسات والدول الإسلامية وتصور أنها فلتات لسان, أو آراء شخصية, أو تعبيرًا عن انفعال وقتى بسبب أحداث الإرهاب التى يقوم بها إرهابيون مسلمون.
ولكن الأمر لم يكن كذلك وكانت الشواهد كثيرة ولكن سياسة الانكار وإخفاء الرءوس فى الرمال والتهوين كانت ـ وما زالت ـ هى السائدة, حتى عندما دارت معركة فى الولايات المتحدة لأن جامعة نورث كارولينا اختارت لطلبتها ضمن كتب القراءة الصيفية كتابًا بعنوان منهج القرآن من تأليف البروفيسور مايكل سيلس أستاذ علم الأديان المقارن بجامعة هارفاد, وقرر برلمان الولاية وقف تمويل الجامعة ورفعت إحدى الجمعيات الدينية دعوى على الجامعة على أساس أنها تروج لدين "الأعداء".
وفشلت محاولات أساتذة الجامعة لإقناع المعارضين بأن دراسة الإسلام ضرورية بعد أحداث 11 سبتمبر أو أن الإسلام هو الأكثر إثارة لاهتمام الأمريكيين الآن, أو القول بأن هذه المعارضة تمثل اعتداء على الحرية الفكرية والحرية الجامعية على الأخص, وأخيرًا أعلن البروفيسور كارل أرنست أستاذ الدراسات الدينية بالجامعة أن هناك تيارًا قويًا متحيزًا ضد الإسلام هو جزء من تاريخ طويل من العداء لهذا الدين, وأن أعداء الإسلام يقتطعون عبارات من القرآن ويفسرونها على هواهم دون اعتبار للسياق الذى نزلت فيه والمعنى المقصود منها, وأن ذلك أمر يسهل اللجوء إليه للإساءة إلى جميع الأديان وكتبها المقدسة, وكتب البروفيسور مايكل سيلس مؤلف الكتاب مقالاً فى واشنطن بوست بعنوان: "الكتب المقدسة لا تؤخذ باستهتار" حاول فيه الدفاع عن نفسه قبل أن تلاحقه المنظمات المعادية للإسلام وتقضى على مستقبله الأكاديمى وربما تقضى على حياته, وحاول التذكير ببشاعة ما حدث باسم الدين فى الغرب فى محاكم التفتيش واضطهاد اليهود, وتحدث عن الذين يعتبرون أن الإسلام هو العدو, وأشار إلى جموع المسلمين التى شاركت فى حمل الشموع وفى المظاهرات ضد الإرهاب والإرهابيين بعد هجمات11 سبتمبر, وحاول أن يبدى الأسباب لسيره ضد التيار السائد الذى يركز على شىء واحد هو "الإسلام والإرهاب" حتى فى هذه المعركة التى شغلت الناس يومها فى الولايات المتحدة لاذت المؤسسات الإسلامية بالصمت كأنها لا ترى ولا تسمع!
هذه قصة واحدة من قصص كثيرة لا تعد ولا تحصى.
ومنذ سنوات نشرت مجلة "الايكونومست" البريطانية تقريرًا بعنوان: "المسلمون فى أوروبا قالت فيه بالحرف: (فى العقود الأخيرة تحولت مشاعر اللامباة تجاه الإسلام إلى مشاعر "ازدراء" ثم إلى شعور "بالشك" ثم تحولت إلى شعور "بالعداء").. وأصبح على المسلمين مواجهة الاتهام بأن بعض مبادىء دينهم تتعارض بشكل أساسى مع قيم التحرر والديمقراطية فى الغرب, وهذا المقال يستحق وقفة فيما بعد مع غيره من الكتابات التى تعبر صراحة عن العداء.
وكانت رواية سلمان رشدى "آيات شيطانية" الاحتفال المبالغ فيه بها وبمؤلفها تعبيرًا عن وصول العداء للإسلام إلى الذرورة, وبعد التكريم والحماية والأموال التى تدفقت عليه كتب مقالاً فى نيويورك تايمز قال فيه: "لقد بدأ المؤمنون المسلمون القيام بالمهمة المقدسة التى يدعوهم إليها دينهم وهى: القتل, والنهب, والحرب".
وسلمان رشدى يعيش الآن عيشة الملوك مكافأة له على ما يكتبه ويقوله ضد الإسلام وهو كثير.
والملف ملىء بالقصص والمواقف. والسؤال: متى تتحرك المؤسسات الإسلامية بإيجابية ولا تكتفى بتعليقات مقتضبة فى وسائل الإعلام المحلية؟