هل تطوير المؤسسة الدينية حرام؟

أعلن أخيرًا عن دراسة تجرى لتطوير منظومة الإفتاء فى مصر, وهناك أفكار مختلفة بعضها يتجه إلى إصلاح جذرى للمؤسسة الدينية لكى تساير التطورات الهائلة التى حدثت فى العالم وفى حياة المسلمين, وبعضها يحاول بكل ما يملك من قوة إبقاء الأوضاع على ماهى عليه, وإتهام كل من يطالب بالتطوير بالإساءة إلى المؤسسة الدينية, وبمحاولة ذبح العلماء وتصعيد الاتهامات إلى حد اعتبار المطالبة بالإصلاح دعوة ضد الإسلام.


والهدف الذى يسعى إليه دعاة التطوير هو أن تعود للأزهر مكانته وتعود الثقة والمصداقية إلى علمائه. ويكون هو دار الاجتهاد فى هذا العصر, وتتوافر له الإمكانات والكفاءات العلمية فى التخصصات الديثة لكى يقدر على متابعة القضايا التى تطرحها التطورات فى الحياة المعاصرة, وهى قضايا لم تكن مطروحة فى زمن الأئمة الذين أسسوا المذاهب فى عصور مختلفة, وقد نبهوا إلى أن آراءهم صواب يحتمل الخطأ وآراء غيرهم خطأ يحتمل الصواب وأن الفتوى تختلف بإختلاف الأزمنة والأمكنة, وأن ما يفتى به فى زمن صلاح الناس لا يفتى به فى زمن فسادهم.


فالمسألة ليست فقط تطوير مؤسسة الإفتاء وأسلوب عملها, ولكنها ضرورة حشد علماء الإسلام للقيام بعملية تاريخية بإعداد اجتهاد فقهى جديد يناسب العصر, وهذا يقتضى إعادة النظر فى كتب الفقه والحديث والتفسير والسيرة وتقديمها للمسلم المعاصر بعد تنقيتها مما فيها, مما لا يتفق مع العقل ومع المنهج العلمى, أما وظيفة الإفتاء فإنها تحتاج إلى إعادة نظر بموضوعية دون تأثر بالاعتبارات والمصالح الشخصية, فليس فى قدرة شخص واحد مهما بلغ علمه وكفاءته أن يلم بكل ما فى العصر من علوم وتطورات, مما يستلزم الأخذ بنظام الاجتهاد الجماعى الذى يشارك فيه علماء الدين وعلماء الدنيا, وبذلك تتكامل الرؤية, وتكون الفتوى هى الفتوى المعتمدة ولا يكون لشخص واحد أن يجلس أمام شاشات التليفزيون ويصدر الفتاوى الفورية أو يصدر الفتاوى بالتليفون فى مكالمات له نصيب من إيراداتها, ويحول أمور الدين إلى "بزنس" ويهبط بقيمة الفتوى وصاحبها.


ويقضة التنظيم المنطقى للمؤسسة الدينية بأن يكون المفتى تابعًا ليشخ الأزهر وليس لوزير العدل, فليس هناك منطق أو ضرورة عملية لتبعية المفتى لوزير العدل, فوزير العدل يشرف على المحاكم وموظفيها وعلى الشهر العقارى ومصلحة الطب الشرعى ومصلحة الخبراء وغيرها من الجهات المتصلة بالمحاكم والقضاء, أما الشئون الدينية فليست من اختصاص وزير أو وزارة العدل, ووظيفة المفتى ليست وظيفة فضائية, ودراسته وتخصصه مختلفة عما فى وزارة العدل, ومن الناحية العملية لا توجد علاقة بين المفتى ووزارة العدل إلا فيما تحيله إليه محاكم الجنايات من قضايا لإبداء الرأى قلبل إصدار حكم بالإعدام فى الجرائم التى تستوجب ذلك, ورأيه فيها استشارى, ولا تحال إليه قضايا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة, فى كل سنة, فلا يكفى ذلك مبررًا ليكون موظفًا تابعًا لوزير العدل.


ويقضى التنظيم المنطقى بأن يكون المفتى تابعًا لشيخ الأزهر, وشيخ الأزهر فى درجة رئيس الوزراء فليس هنام ما يمنع من أن يكون المفتى بدرجة وزير, وهكذا يكون الأزهر هو المؤسسة الدينية الموحدة, يكون شيخ الأزهر رئيسًا لهيئة كبار العلماء ولمجمع البحوث الإسلامية ويكون المفتى نائبًا له فيهما, وبذلك يتحقق التكامل وتنتهى – أو تقل – الخلافات والاختلافات والحساسيات التقليدية المعروفة ولا يشكو المسلمون من تضارب وعفوية الفتاوى, وتبدو المؤسسة الدينية أمام العالم موحدة وقوية وقادرة على التعاون والتعامل مع المؤسسات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية بصوت واحد.


قد تكون العقبة أن يرى أحد أن مثل هذا التنظيم فيه مساس بمساحة السلطة وبما تعود عليه من العمل والظهور وحده, لكن ذلك يجب ألا يمنعنا من إعادة بناء المؤسسة الدينية وفقًا لأصول التنظيم والإدارة الحديثة التى سبقت إليها المؤسسات الدينية فى الدول المتقدمة منذ سنوات بعيدة. لصالح الإسلام والمسلمين وليس لصالح واحد من الناس.


 




 أ

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف