الأزهر وعشوائيات الفكر الدينى
فى فترة من الفترات, كان الأزهر قادرًا على ضبط الأمور فى ساحة الفكر الدينى.. كان فى ذلك الوقت هو المرجعية الوحيدة, وصوته هو الأعلى, وكلمته حكمًا نافذًا بلا نقض أو مراجعة, ولم يعد الأمر كذلك اليوم لأسباب لا دخل للأزهر فيها, ولأسباب أخرى لرجال الأزهر فيها داخل كبير!
لم يكن لرجال الأزهر سلطة الضبطية القضائيةو ولكن كانت كلمة تصدر من الأزهر كفيلة بالحكم على كتاب بالموت, دون حاجة إلى المصادرة ومداهمة المكتبات والإستعانة بقوات الأمن, لأن كلمة الأزهر بانحراف الفكر فى هذا الكتاب أو ذاك كانت كفيلة بأن ينصرف الناس عن قراءته تلقائيًا, واليوم يستخدم الأزهر الوسائل البولسية لمنع تداول كتاب فيزداد توزيعه سرًا, ويحقق مؤلفه وناشره ثروة من وراء الضجة التى يثيرها قرار الحظر والمطاردة, وآخر مثال لذلك كتاب فضيلة المفتى.
كانت الحدود واضحة بين حرية الفكر وحرية الكفر, والآن تداخلت الحدود ولم تعد واضحة فى أذهان المسلمين, ولا حتى فى أذهان بعض رجال الدين, فأصبح الحكم بالتكفير سهلاً.
كان الفكر الدينى يتمتع بالحيوية والقبول, فأصبحنا الآن نعيش فى حالة ركود تسمح لك من تريد أن يجلس على مقعد الإفتاء أن يفعل ذلك دون حرج. كان كل خريج فى الأزهر مهيئًا لإبداء الرأى بصحيح الدين, والآن لم يعد كل المتخرجين فى الأزهر يصلحون للفتوى, وبعض من يطلقون على أنفسهم لقب "المفتى" من خريجى الأزهر لا يعرفون الأوليات الفقهية, كما قال رئيس جامعة الأزهر الأسبق الدكتور عبد الفتاح الشيخ.
لم يكن أحد يجرؤ على الفتوى دون أن يكون قد وصل إلى درجة من العلم بالفقه والعلوم الشرعية تجيز له ذلك, ولكن الفراغ فى مجال الدعوة أدى إلى ظهور قيادات دينية من خارج الأزهر أصبح لها التأثير الأكبر على الشباب – والشيوخ, بعد انتشار الفضائيات والبرامج الدينية, وبعد أن أصبحت الدعوة الدينية مستباحة لك من أراد أن ينصب نفسه داعية وفقيها ومفتيًا, وبعضهم يردد ما فى كتب قديمة من أفكار متطرفة ومتعصبة نشأت فى ظروف سياسية خاصة فى عصرها, وكانت هذه الأفكار لخدمة تيارات ومصالح معينة, ولا تزال هذه كتب والأفكار متداولة يستند إليها الدعاة الجدد لتبريد نزعات التطرف والتعصب.
ولم يقم الأزهر بدوره فى مراجعة هذه الكتب والأفكار وتنقية التراث الإسلامى من الأفكار الداخلية والأحاديث الموضوعة, وإن كانت التصريحات حول البدء فى لك لم تنقطع منذ عشرات السنين.
إذا كان ذلك هو الحال, فليس غريبًا أن تعلن وزارة الأوقاف عن أن 90% من المتقدمين لوظائف خطباء المساجد رسبوا فى الاختيارات ولو تم اختيار الدعاة اللحاليين لرسب عدد كبير منهم.
وفى هذا المناخ الفكرى الذى يذكرنا بانتشار السحابة السوداء الخانقة فى سماء القاهرة نسمع عن طالب بالأزهر أتهم بازدراء الأديان, والتشكيك فى عقيدة الإسلام, والتطاول على الرسول – صلى الله عليه وسلم – ونتابع أنباء القبض على طالب أزهرى آخر ضمن شبكة للتجسس, وطالب ثالث بكلية الشريعة يدعى تأليف قرآن جديد من عنده, وينشىء مدونة على الإنترنت, يبث فيها أفكارًا تسىء إلى الإسلام وتنكر رسالة محمد – صلى الله عليه وسلم وتنشأ جماعات ضالة فى السر والعلن!
الأمثلة كثيرة, وإذا لم يتم الاعتراف بوجود الفرع الدينى وبتراجع دور الأزهر وتأثيره وبإنتشار العشوائية فى الفكر والإفتاء, فلن يتحقق الإصلاح.
ولقد تأخر الإصلاح كثيرًا بسبب إنكار وجود ما يحتاج إلى إصلاح والإكتفاء بالمعالجة الشكلية بالتصريحات وبالهجوم على من يقول الحقيقة وإتهامه فى دينه.
القضية الآن هة تطهير الساحة الدينية وتنقية الفكر الدينى مما أصابه, ولن يقوم بذلك إلا الأزهر, فهو الحصن الحصين للإسلام وللمسلمين على أن يبدأ بنفسه.