فلنبدأ بالأزهر
ليس لدى أدنى شك فى أن الإصلاح الدينى هو مفتاح الإصلاح والتقدم. وأمامنا اليوم مهمة كبرى طالب بها أجدادنا وآباؤنا منذ بداية القرن العشرين لم يتم انجازها حتي الآن, وهى تنقية كتب التراث مما فيها من أحاديث مكذوبة وتفسيرات مضللة وأفكار مدسوسة بحسن نية أو بسوء قصد. وإذا لم تبدأ الهيئات والمؤسسات الإسلامية فى إنجاز هذه المهمة وفقًا للمناهج العلمية الحديثة وتنسيق جهودها المبعثرة فى هذا المجال، فسوف يظل الفكر الإسلامى أسيرًا لأقوال وفتاوى ليست من الإسلام فى شىء، أو لا تعبر عن جوهر الإسلام وحقيقته.
وإذا كان الإصلاح الدينى هو مفتاح كل إصلاح فى حياتنا فلنبدأ بالأزهر، والحديث عن إصلاح الأزهر يلاقى دائما معارضة وإستنكارًا من المستسلمين للأوضاع القائمة وهؤلاء يرون أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، أو من غير المدركين لواقع الأزهر بالنسبة لما أصبحت عليه المؤسسات الدينية الكبرى فى العالم. أو من غير القادرين وغير المؤهلين لأداء مثل هذه المهمة الصعبة. ومع ذلك فإن فى الأزهر من الكفاءات والقيادات وأصحاب العزيمة ما يكفى للقيام بالإصلاح عندما تتاح لهم الفرصة وتتوافر إرادة التنفيذ.
أقول ذلك وفى ذهنى ما رأيته عندما ألتقيت بأسقف كانتر بري ـ رأس الكنيسة البريطانية ـ فقد ذهلت لما وجدته من تنظيم عصرى لا يقل عما رأيته فى الفاتيكان، بل لا يقل عن تنظيم العمل فى مؤسسات الرئاسة فى الدول الكبرى. أسقف كانتر برى تعمل إلى جانبه مكاتب للبحوث، وأرشيف معلومات، وأجهزة كمبيوتر، ومكتب صحفى، وسكرتارية، وهذا هو المفهوم العصرى لقيادة المؤسسات الدينية. فالقيادة الدينية لا تقتصر مهمتها على الخطابة وإنتاج الفتاوى، ورجل الدين ليس موظفًا كل همه أن يوجد فى موقعه فى مواعيد العمل الرسمية. رجل الدين فى هذا العصر هو قيادة اجتماعية فى المقام الأول، ويجب أن يتابع ما يجرى فى العالم وأن يتعامل مع الأجهزة الالكترونية. والأهم من ذلك أن القيادة الدينية ليست قيادة فردية ولا يعمل رأس المؤسسة الدينية وحده ولكنه يعمل من خلال أطقم من المعاونين والمستشارين فى مجالات عديدة دينية واقتصادية واجتماعية وسياسية، ولذلك فإنه لا يتحدث فى موضوع بناء على اجتهاده ورؤيته الشخصية وحده، ولكن حديثه دائما يسبقه إعداد جيد لكى يستوفى الموضوع الذى يتحدث فيه ولا يحتاج بعد ذلك إلى التراجع أو التكذيب أو التصحيح. كذلك لا يلتقى القائد الدينى بشخصية من الشخصيات الدينية أو السياسية إلا بعد أن تقدم إليه معلومات كافية عن هذه الشخصية وعن القضايا التى سيدور الحوار معه حولها، والنتائج التى يسعى إلى الوصول إليها من هذا الحوار، ولا تكون اللقاءات ارتجالية فلا تسفر إلا عن أحاديث المجاملات.
الصورة مختلفة فى المؤسسات الإسلامية عمومًا، وبدون تفاصيل فإن مشيخة الأزهر تحتاج إلى تنظيم جديد، ويلزم وجود خمسة وكلاء للأزهر على الأقل ليحملوا الأعباء الإدارية عن شيخ الأزهر، ويتولوا إعداد الخطط والدراسات ويشرفوا على القطاعات الأساسية، فيكون أحد الوكلاء لشئون المعاهد، والثانى لشئون جامعة الأزهر، والثالث لشئون الدعوة والوعظ والفتوى، والرابع للإشراف على إدارات البحوث والنشر وأمانة مجمع البحوث الإسلامية، والخامس للعلاقات الخارجية والتحضير للمؤتمرات التى يحضرها شيخ الأزهر والزيارات التى يقوم بها والحوارات التى يشارك فيها، وتلحق بمكتب شيخ الأزهر إدارة لمتابعة ما ينشر ويذاع فى الصحف والإنترنت والفضائيات عن الإسلام والمسلمين فى أنحاء العالم وتقترح كيفية الرد والتصحيح. ولابد أن يكون لشيخ الأزهر مستشار سياسى ومستشار إعلامى، واعتقد أن الاحتياج لوجودهما لا يحتاج إلى شرح.
إن الأزهر هو المنارة وهو المنبر الذى يثق فيه المسلمون وهذه المكانة العالمية العالية للأزهر وشيخ الأزهر تفرض عليهما التعامل مع هذا العصر بأدوات العصر.