البحث عن أفق سياسى!

من أجل البحث أفق سياسى للقضية الفلسطينية قضى الزعماء العرب عشرات السنين فى مفاوضات ولقاءات واتفاقات مع الإدارة الأمريكية المتعاقية وأخرها إدارة بوش، ومع الاتحاد الأروبى، والمنظمات الدولية، ولو جمعنا ما نشر فى تصريحات ووعود بعد كل هذه المباحثات فسوف تملأ عشرات المجلدات، ومع ذلك لم يتم التوصل إلى أفق سياسى حتى الآن.

وأقرب مثال لما يجرى القصة الشهيرة عن الخليفة عمر بنالخطاب حين عثر على امرأة أوقدت نارًا ووضعت فوقها إناء وحولها أطفال يبكون، واكتشف أن الأطفال يبكون من شدة الجوع وليس لدى المرأة شىء يسد رمقههم فلجأت إلى ههذ الحيلة بأن وضعت الإناء على النار وفيه ماء وقطع من الحجارة، ويقضى الأطفال ساعات فى انتظار أن ينضج الطعام إلى أن يغلبهم النوم فيناموا!

هكذا تبدو القضية الفلسطينية فى كل حين تظهر بارقة أمل ثم يطزل انتظار تحقيقها إلى أن تختفى. وآخرها وعد الرئيس بوش بإاقمة دولتين تتمعنان بالأمان قبل نهاية ولايته الأولى، وعندما اقترب ميعاد تنفيذ الوعد أعلن وعدًأ جديدًا بإقامة الدولتين قبل نهاية ولايته الثانية، ولكنه منذ أسابيع أعلن مرة ثالثة أن هذا الوعد الذى قطعه على نفسه أمام العالم لم ينفذ فى عهده وسيتم ترحيله إلى حين انتهاء ولاية الرئيس التالى..

والأمر فى منتهى الوضوح. العرب يريدون السلام.. وإسرايل لا تريد السلام، ولكن تريد استمرار الوضع الحالى لأنه يمكنها من استباحة الأراضى الفلسطينية واجتياحها فى أى وقت والتحكم فى أموال وأرزاق الشعب الفلسطينى وقتل واعتقال من تريده منهم، وتدمير البيوت على أصحابها، وفى مقال كتبه شارون قبل الغيبوبة – فى صحيفة هيرالدتريبيون الأمريكية يوم 10 يونيو 2002 كشف عن استراتيجية إسارئيل وتتلخص فى تصفية عناصر المقاومة الفلسطينية، بحيث يأتى الفلسطينيون إلى المفاوضات مستسلمين، وبعد ذلك لن يصلوا فى نهاية المطاف إلا إلى "اتفاقية مؤقتة طويلة المدى" دون حل القضايا الأساسية وأجاب على السؤال: متى يمكن الانتقال من "الحل المؤثت طويل المدى" إلى التسوية الدائمة، قال أن ذلك لن يتم وفقًا لجدول زمنى، ومعنى هذه الاستراتيجية باختصار أن الجميع يلهثون جريًا نحو سراب. ومع أن العرب قد قدموا رسميًا مبادرة للسلام الشامل بين إسرائيل وجميع الدول العربية وصدرت المبادرة بإجماع الزعماء العرب فى قمة بيروت فإن الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية ما زال يتبعان سياسة المراوغة ويفرضان فى كل مرحلة شروطًا جديدة على لافلسطينيين كلما نفذوا الشروط السابقة.. وتنتهى محاولات إيجاد أفق سياسى إلى ما قررته إسرائيل منذ البداية: "أتفاقية مؤقتة طويلة المدى" مع تأجيا بحث إقامة الدولة الفلسطينة واستمرار الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة واستمرار سور العزل العنصرى.. والمباحثات كلها تدور حول ما يجب على لافلسطينيين أن يفعول دون أن تتطرق إلى ما يجب أن تقدمه إسرائيل فى المقابل.


ويبدو أن أحدًأ لم ينتبه إلى الرسالة التى تضمنها مقال توماس فريدمان الكاتب الأمريكة المطلع على الكثير من أسرار البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية حين قال فى عدد هيرالد تريبيون أول يوليو 2002 – أى بعد مقال شارون مباشرًا تحت عنوان "الحل الذى يتضمن دولتين مشكوك فيه" قال: إن الأحداث تجعلنى أتساءل إذا كنا نشهد ليس فقط نهاية عملية سلام أوسلو وللكن نشهد نهاية الفكرة بأكملها المتعلقة بحل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى لإقامة دولتين. وردد الحجة الإسرايلية – الأمريكية المعتادة "أن الفلسطينيين بعملياتهم الانتحارية حطموا كل شىء وجعلوا الإسرائيليين يشعرون بأن السلام يعغنى فتح البوابات لحصان طروادة! ولذلك قال  صراحة ما فى الجندة الخفية الإسرائيلية أن إسرائيل فرض عليه القدر أن تحكم الضفة وغزة إلى الأبد بنفس الطريقة التى حكم بها البيض شعب جنوب أفريقيا السود فى ظل نظام التمييز العنصرى،وبرر ذلك بأنه فى عام 2010 سيكون تعداد الفلسطينيين أكبر من تعداد الإسرائيليين وفقًا لمعدلات المواليد والهجرة فى الجانبين، وهذا يعنى أن يظل الصراع أبديًأ كما قال. وليس لدى فريدمان – وغيره من الأمريكيين والإسرائليين – إلا نصيحة للعرب هى أن يتوقف الإعلام فى العالم العربى عن إثارة مشاعر الغضب لدى الشعوب العربية ضد إسرائيل وأمريكا، وأن تقوم إسرائيل بتحرك ما لخفض درجة الغضب العربى.


بعد كل ذلك هل ستنجح الجهود العربية لتسويق المبادرة العربية للسلام لدى الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية؟ الإجابة: لماذا نستبق الأحداث..؟ دعونا نتابع ههذ الجهود العربية وردود الفعل هنا وهناك إلى أن تظهر نتائج هذه الجهود.. وغدًا لناظره قريب. ولا بأس من الاستمرار فى البحث عن أفق سياسى يعطى بعض الأمل فى إمكان التوصل إلى حل، لأنه فيما يبدو ليس لدى العرب بديل آخر.


 




جميع الحقوق محفوظة للمؤلف