الرأى الآخر فى أمريكا

في تحليل مارك لينش استاذ العلوم السياسية الأمريكي لأسباب الكراهية وفقدان الثقة والمصداقية لأمريكا في العالم العربي يقول إن مساندة الشعوب العربية للشعبين العراقي والفلسطيني في معاناتهما من العقوبات والاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية تمثل مبدأ قويا من مباديء الهوية العربية والإسلامية‏,‏ وهذا ما جعل أسامة بن لادن يستخدم معاناة الشعبين علي أنهما قضية واحدة لكي يضمن بذلك حشد الغضب العربي‏.‏

وفي رأي مارك لينش أن لدي الشعوب العربية والإسلامية يقينا راسخا بأن الولايات المتحدة هي المسئول الأول عن معاناة الشعبين العراقي والفلسطيني‏,‏ ولذلك فإن معظم العرب ـ والمسلمين ـ يتشككون في ادعاء الادارة الأمريكية بأنها تعمل علي تحرير شعب العراق والشعوب العربية‏.‏ ولم يكن في حسابات الادارة الأمريكية أن يكون الرأي العام المعارض لها بهذه القوة‏,‏ وكانت حساباتها قائمة علي أن العرب منقسمون بشأن نظام صدام حسين وكان ذلك واضحا في المقالات الصحفية وأحاديث النخبة وعلي شاشات الفضائيات‏,‏ كما كانت الادارة الأمريكية تعتمد في تقدير الموقف علي المعارضة العراقية‏,‏ ولم تدرك أن قيادات المعارضة الذين يعيشون في الخارج بأموال الحكومات الغربية لم يكن لهم تأثير كبير في داخل العراق وأنهم يأخذون حجما أكبر من حجمهم الحقيقي في الفضائيات‏.‏ وكل العرب تقريبا ـ كانوا ـ ومازالوا ـ يعتقدون بأن الولايات المتحدة قامت بغزو العراق لأسباب تتعلق بمصالحها وليس بمصالح الشعب العراقي‏,‏ وأنها تساند اسرائيل في كل ما تقوم به لنفس السبب‏.‏


ويتساءل مارك لينش هل تستطيع إدارة بوش أن تتعامل بسياسة أكثر صدقا وأقل غطرسة؟‏,‏ ويجيب بأن هذه الإدارة اختارت عكس هذا الاتجاه خاصة بعد الغرور الذي أصابها بالانتصار السريع الذي حققته في البداية بالقوة المفرطة‏,‏ وصدقت الوهم بأن من الممكن أن تحظي القوات الأمريكية بترحيب العراقيين واعتبارها قوات تحرير‏.‏

ولكن علي العكس اشتدت الحملات علي سياسة المحافظين الجدد‏,‏ واستقر في عقول العرب والمسلمين أن القوات الأمريكية قوات غزو واحتلال وليست قوات تحرير‏,‏ وعزز هذا الاعتقاد أن الخسائر في الأرواح وتدمير البنية الأساسية في العراق والأراضي الفلسطينية وصلت إلي الحد الذي لا يمكن احتماله‏,‏ ولم يعد في نفوس العرب أثر لمشهد اسقاط تمثال صدام حسين الذي أرادت الادارة الأمريكية أن تجعله رمزا للانتصار والتحرير وإنهاء الجدل حول الحرب‏.‏ وأصبح راسخا لدي العرب والمسلمين الربط بين ممارسات القوة الأمريكية في العراق وممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة وغزة‏.‏ وبذلك لم يتحقق شيء مما كانت تريده الادارة الأمريكية‏.‏

ويتحدث مارك لينش عما يسميه‏(‏ حوار اليوم التالي‏)‏ حين أدركت الحقيقة بعض العناصر في الحكومة الأمريكية فحاولت الإيحاء بالتراجع بالتركيز علي زيارات الرسميين وشبه الرسميين‏,‏ وبالتصريحات والوعود التي تقدم صورة إيجابية للسياسة الأمريكية بهدف التأثير علي الرأي العام في العالمين العربي والاسلامي‏,‏ ولكن ذلك ـ أيضا ـ لم يحقق سوي القليل‏,‏ لأن الجماهير العربية ـ علي عكس بعض الحكومات ـ تشعر بأن هذه التحركات مجرد خداع وحتي بعد أن انشأت الادارة الأمريكية ـ ودعمت بملايين الدولارات ـ محطات اذاعية وقنوات تليفزيونية وصحفا وصحفيين في العالم العربي‏,‏ لم يحقق ذلك أيضا ما تريده لأن المضمون السياسي الذي تريد أقناع العرب والمسلمين به سيظل موضع شك وسيدرك العرب والمسلمون من المقارنة بين القول والفعل أن هذه دعاية سياسية‏,‏ وأن القنوات والاذاعات التي تديرها وتمولها أمريكا وما فيها من الرقص والأغاني وبرامج التسلية لن تجدي مع الواقع المرير الذي تعيشه‏!‏

متي تستمع الادارة الأمريكية لأصوات العقل؟ هذا هو السؤال الذي تبدو الاجابة عليه رجما بالغيب‏!


 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف