إنقاذ البيئة بالدستور
من المبادئ الجديدة فى التعديلات الدستورية النص علي حماية البيئة والحفاظ عليها واعتبار ذلك من الحقوق الأساسية للمواطنين. وعلي الرغم من أهمية هذا المبدأ في هذا الوقت الذي تدهورت فيه احوال البيئة وحامت الشكوك حول سلامة مياه الشرب, والطعام, والهواء, والدواء,فإن أصحاب الرأي لم يتناولوا هذا التطور الجديد في الفكر الدستوري بما يستحقه.
ولعل ذلك ما جعل الرئيس مبارك يطلب النص في الدستور علي حماية البيئة ولا يكتفي بالقانون الحالي أو بتعديله وتشديد العقوبات علي مخالفته, وهذا التعديل وارد ايضا بل هو لازم, ولكن الرئيس رأي ان حماية البيئة يجب ان تصبح مبدأ يعلو القوانين, لكي تصبح سلطات الدولة الثلاث ملزمة به الزاما لا فكاك منه, فلا تستطيع السلطة التشريعية اصدار قانون يمكن ان تكون فيه شبهة تعارض مع هذا المبدأ. ولا تستطيع السلطة التنفيذية بجميع مستوياتها ان تصدر قرارا أو ان تتخذ اجراء أو توافق علي مشروع أو تبرم اتفاقية مما قد يؤدي إلي إضرار بالبيئة أو ان تتغاضي عن مخالفة شروط المحافظة عليها.
وتكون السلطة القضائية ملزمة بتطبيق هذا المبدأ في أحكامها, ومالم تلتزم جميع السلطات بهذا المبدأ, فان كل اجراء وكل قانون وكل حكم قضائي يخالف هذا المبدأ سيكون باطلا بطلانا مطلقا ويتم الغاؤه ويصير كأن لم يكن باحكام المحكمة الدستورية الحارس الأمين علي الدستور.
كذلك فان محاسبة كل جهاز من أجهزة الدولة أمام الرئيس ومجلس الشعب واجهزة الرقابة, وأمام ممثلي الشعب في مستويات المجالس المحلية, ستكون علي أساس ما تقوم به, أو ما تهمل في القيام به, من اجراءات وفقا لهذا المبدأ أو خروجا عليه, ومخالفة الدستور هي اكبر الكبائر لانه يعلو كل تشريع وكل سلطة في البلاد. ولابد بعد إقرار التعديلات الدستورية من إعداد قانون موحد يضم النصوص المبعثرة في عدة قوانين, ويتلافي الثغرات في القانون الحالي, ويزيد من سلطات أجهزة حماية البيئة.
وقد يكون ضروريا انشاء مجلس أعلي للمحافظة علي البيئة يشترك في عضويته وزراء البيئة والصناعة والري والتنمية المحلية والاستثمار والإعلام والتعليم والثقافة وعدد من الخبراء وتكون مهمته إعداد خطة قومية لتحسين اوضاع البيئة ووضع حلول للمشاكل القائمة, ووضع برنامج للثقافة البيئية في المدارس وفي برامج التليفزيون والاذاعة, وتشجيع جمعيات المحافظة علي البيئة, ومتابعة تنفيذ هذه الخطة.
والأوفق ان يشمل النص الدستوري حماية البيئة الطبيعية والثقافية والتراث الحضاري, وقد اخذت بعض الدساتير بذلك واعتبرت الآثار والتراث الثقافي جزءا مهما من مكونات البيئة.
وقد نظمت وزارة البيئة ورشة عمل لمناقشة هذا المبدأ الجديد شارك فيها كبار الخبراء واساتذة الجامعات المتخصصون في شئون البيئة والتشريعات المتعلقة بها, وطرحت آراء تستحق ان تكون موضع الاعتبار عند صياغة هذا المبدأ مثل ضرورة إعداد قانون جديد, وغرس ثقافة المشاركة في حماية البيئة وهي ثقافة غائبة في المجتمع المصري مما تقتضي اعادة صياغة العلاقة بين المواطن والبيئة لتحويلها من علاقة عداء أو عدم اكتراث إلي علاقة اهتمام واحترام, وهذا يستلزم قيام الأحزاب والنقابات والجمعيات والمدارس والجامعات وغيرها من منظمات المجتمع بتحمل مسئوليتها عن المحافظة علي البيئة, ومن المفيد النص في القانون علي حق منظمات المجتمع في رفع الدعاوي ضد كل من يعتدي علي البيئة باعتبارها صاحبة مصلحة وممثلة للمواطنين اصحاب الحق في الحياة في بيئة نظيفة بعيدا عن تهديدات الامراض التي يسببها التلوث, والنص كذلك علي حق المجلس الاعلي لحقوق الإنسان وجماعات حماية البيئة في التدخل بالطرق القانونية لطلب وقف الأعمال التي تضر بالبيئة.
المشكلة أن اصحاب المصالح يقفون عقبة امام كل اجراءات حماية البيئة, لأن ذلك يضيف عليهم تكلفة يحرصون علي التهرب منها ويريدون تحقيق اكبر قدر من الربح دون اعباء. وهذا هو الاختبار الحقيقي لكل النصوص والتشريعات.. هل ستنصر الشرعية ويصبح للنص الدستوري وللقانون المنزلة اللائقة بهما؟