مليارات الحكومة الضائعة!
تشكو الحكومة من تزايد العجز فى الموازنة سنة بعد سنة واضطرارها إلى سد العجز فى الموازنة كل سنة عن طريق المزيد من القروض الداخلية والخارجية حتى بلغت ديون الحكومة رقما قياسيا غير مسبوق قدره وزير التنمية فى حدود 60% من الدخل القومى، وتنظم الحكومة حملة لإقناع المواطنين بالحد من الاستهلاك على أساس أن المواطنين – وليست الحكومة- هم المسئولون عن هذه الأزمة.. وفى نفس الوقت فإن الحكومة لم تفعل شيئـا لتنفيـذ وعـودها بالحـد من الإسراف الحكومى، ولم تتبع سياسة جادة لسد الثغرات التى تؤدى إلى ضيـاع المليـارات والتـى تنبـه إليهـا الصحافة كل يوم، وليس لدى الحكومة استجابة غير التصريحات بأن ما ينشر فى الصحف عن الأموال الضائعة غير صحيح أو أن الأرقام فيها مبالغة، مع أن ما تنشره الصحافة مصـدره جهـات حكـوميـة وتقـارير جهاز المحاسبات وتصريحات وزراء الحكومة.. ولم يعد هناك وسيلة لمنـع هذا الإهمال والإسراف إلا ممارسة مجلس الشعب لمسئوليته الدستورية فى الرقابة على الحكومة واستخـدام سلطتـه فى منـح أو منـع الثقـة.
فعلى الرغم من الحملة الإعلانية التى أنفقت فيها الحكومة عشرات الملايين من الجنيهات لإقناع الممولين بالتقدم من تلقاء أنفسهم لسداد ما عليهم من ضرائب بالتمام والكمال، وما حققته هذه الحملة، مع السياسة الجديدة فى التعامل مع كبار الممولين الذين يحققون أرباحاً بالمليارات، فإن حصيلة الضرائب زادت، ولكن هذه الزيادة لا تمثل انتهاء التهرب من الجمارك وقد بلغت خسائر الدولة 12 مليار جنيه سنوياً بسبب التهرب والفساد وفقا لتقرير المجالس القومية المتخصصة الذى نبه أيضاً إلى ضياع 60 مليون جنيه أخرى سنوياً بسبب شهادات السماح المؤقت من الجمارك. ويضاف إلى ذلك ضياع 2000 مليون جنيه سنوياً نتيجة التهريب والتهرب من الجمارك والضرائب فى أسواق علنية تباع فيها السلع المهربة أمام سمع وبصر الملايين من المصريين، أما تهريب الأقمشة والملابس الجاهزة فإنه يتسبب فى ضياع ألف مليون جنيه على الحكومة.
وبصرف النظر عن الادعاء بعدم دقة هذه الأرقام وغيرها كثير، فإن المهم أن نتيجة ذلك تأثر الصناعات الوطنية واضطرار بعض المصانع إلى خفض طاقة التشغيل لعدم قدرتها على الصمود أمام المنافسة غير العادلة مع السلع المهربة مع ما يترتب على ذلك من آثار على العمالة والأجور.. والتقارير تشير إلى وجود محلات معروفة للملابس متخصصة فى بيع الملابس المهربة وتستخدم الشقق السكنية كمخازن تخفى فيها كميات هائلة من هذه الملابس، وتقوم بتغيير أماكن هذه المخازن من حين لآخر.. وتقارير أخرى تقول إن نظام السماح المؤقت هو المصدر الكبير للتهريب مع أن هذا النظام وجد أصلا من أجل زيادة التصدير وليس لزيادة التهريب، وفى إحدى السنوات الأخيرة تم حصر شهادات السماح المؤقت فتبين ضياع 60 مليون جنيه قيمة الرسوم التى لم تسدد عنها، وعندما اشتكى المصدرون من أن الجمارك تفتح الحاويات الخاصة بالبضائع المعدة للتصدير أصدرت وزارة المالية قرارا بعدم منحها والاكتفاء بالفحص الظاهرى وهى مغلقة، وفى أول يوم لتطبيق هذه الإجراءات تم فتح المنافذ الجمركية ثم اكتشفت وزارة المالية أن الحاويات المغلقة ليس بها غير فضلات أما السلع التى دخلت بنظام السماح المؤقت على أنها سيعاد تصديرها بعد تصنيعها وهى معفاة من الجمارك فقد تسربت إلى السوق الداخلى، وكان من بين ما اكتشفته أجهزة الرقابة أن نظام السماح المؤقت يتم استغلاله فى استيراد قطع من الرخام على أن يتم تقطعيها وتجهيزها فى مصر ثم يعاد تصديرها مرة أخرى، ولكن ما اكتشفت أجهز الرقابة بعد فترة طويلة من تطبيق نظام تصدير الحاويات دون فتحها، أن هذه الحاويات فيها كسر الرخام من مخلفات المصانع، أما الرخام المستورد فإنه دخل السوق المحلى دون تسديد الجمارك والضرائب المستحقة عليه.
***
التقارير فيها الكثير عن الأقمشة والملابس المستوردة التى يتم تهريبها إلى داخل البلاد أثناء نقلها من ميناء بورسعيد إلى ليبيا عن طريق البر، ويتم تفريغ الحاويات فى الطريق لتباع فى السوق المحلى وتكمل الرحلة محملة بأى شىء.. وكل يوم تتفتق أذهان المهربين عن حيل جديدة.
تقول التقارير –مثلا- إن السلع المهربة التى تم ضبطها عام 2001 فقط شملت الملابس الجاهزة، والتليفونات المحمولة، والمشغولات الذهبية، والأحذية، والأجهزة الكهربائية، والسيارات، والساعات، والأدوية، والخيوط والأدوات الجراحية، والكاميرات، وأجهزة الفيديو والريسيفر، بل الأبقار الحية!.. وبالطبع فإن ما يتم ضبطه لا يزيد على 10% مما يتم تهريبه..
***
تقرير لمركز الدراسات الزراعية يشير إلى أن الفاقد من القمح يزيد على 135 ألف طن سنويا بسبب سوء التخزين ولا يقل ثمنه عن 160 مليون جنيه، وعلى الرغم من أن هذه الحقيقة معروفة فإن هذا الفاقد مستمر منذ سنوات طويلة بسبب عدم وجود برنامج لمكافحة الفئران والطيور وغيرها.. أما الفاقد فى مرحلة طحن القمح فإنه لا يقل عن 120 ألف طن يزيد ثمنها على 150 مليون جنيه، والفاقد فى المخابز لا يقل عن 49 ألف طن بنسبة 2.3% لا يقل ثمنها عن 120 مليون جنيه،والخبز غير الصالح للأكل فإن نسبته 2.5% من الإنتاج وتكلفته لا تقل عن 50 مليون جنيه.. الجملة 1.8 مليار جنيه، بخلاف تهريب الدقيق المدعوم والرغيف المدعوم ويصل الضائع على الحكومة 2160 مليون جنيه بحسب التقارير.
وقد لا يصدق أحد ما كشف عنه معهد التخطيط القومى من تحمل الحكومة 3 مليارات جنيه خسائر بسبب سوء تخزين القمح فى الفترة من 1995، إلى 2004.
***
فى لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب دارت يوما مناقشات حامية حول تزايد اختلال الهياكل التمويلية، وانهيار المرافق العامة، واستمرار السحب على المكشوف وتحمل فوائد الديون حتى أن 6 هيئات تجاوز رصيد العجز المرحل بها إجمالى رأس المال وهى: الهيئة الزراعية المصرية، والهيئة المصرية العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية،وهيئة النقل العام بالقاهرة والإسكندرية، وهيئة ميناء بورسعيد، ومركز المؤتمرات.. وظهر فى المناقشات أن إجمالى العجز المرحل فى 30 يونيو 2005 يزيد على 29 مليار جنيه، وأن الموازنة العامة للدولة تتحمل مليارى جنيه لدعم الهيئات الاقتصادية بخلاف القروض المستمرة التى تحصل عليها هذه الهيئات من البنوك: وقد بلغت هذه القروض 52 مليار جنيه.. وأن إجمالى المديونيات بلغ 72 مليار جنيه.. هيئة السكة الحديد تحصل على 92% من الدعم المخصص فى الموازنة العامة للهيئات الاقتصادية، وبصرف النظر عن التغير الذى يمكن أن يكون قد طرأ على الأرقام بالزيادة أو بالنقص.. فالمهم أن هناك مليارات ضائعة!.
***
وفى العام الماضى أثير فى مجلس الشعب موضوع حصيلة الخصخصة وأوجه التصرف فيها وما جاء فى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن قيام وزارة المالية بإخفاء 13 مليار جنيه من الحصيلة لم تدرج الموازنة بالموازنة العامة للدولة، وأمام مجلس الشعب اعترف الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية بصحة ما جاء فى تقرير جهاز المحاسبات وأن الوزارة حصلت على 16.6 مليار جنيه من حصيلة بيع شركات القطاع العام، وأن هذا المبلغ تم استخدامه فى سداد أقساط الدين العام المحلى والخارجى خلال السنوات 97 وما بعدها حتى 2005.
وهذا يعنى أن الحكومة باعت شركات القطاع العام لكى تدفع أقساط الديون ولا يزال النزيف مستمرا!.. وقد أراد وزير المالية أن يطمئن المصريين على مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة فأعلن فى بيانه أمام مجلس الشورى فى العام الماضى أن تخفيض الدين العام مستحيل، وأن خفض الدين العام يعنى وجود فائض فى الموازنة وهذا أمر لن يتحقق!.
ولكى يزيد من الاطمئنان فى نفوسنا قال يومها: (ممكن أضمن أن الدين العام سيستمر فى الزيادة، لكن فى الوقت نفسه الدخل العام سيستمر فى الزيادة، وقال الوزير إن نسبة الدين العام يمثل 90% من الناتج الاجمالى، وكان تعليق رئيس لجنة الشئون المالية بمجلس الشورى فى هذه الجلسة التحذير من خطورة ارتفاع نسبة الأمية فى مصر!.
طبعا لابد من إشارة إلى جراج رمسيس الذى تم بناؤه ثم تم هدمه بعد إتمام البناء، وجاء فى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات أن ذلك تسبب فى إهدار 23 مليون جنيه فى البناء والهدم، وطلب رئيس مجلس الشعب من رئيس جهاز المحاسبات إعداد تقرير لتحديد المسئولية عن إهدار المال العام، وأصدر رئيس جهاز المحاسبات قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق ومازال التحقيق مستمرا منذ سنتين وإلى الآن ..ومازلنا ننتظر النتيجة..
هذه المليارات.. من يتحمل الخسائر.. ومن يتحمل النتائج.. ومن المسئول؟..
وفى الملف وقائع أخرى وليس المهم أن تكون أرقام الخسائر قد ازدادت أو نقصت بضعة ملايين.. المهم أن هناك مليارات ضاعت وتضيع واسألوا الجهاز المركزى للمحاسبات