فاروق كان ملكا وليس ملاكاً ( 42 )
ونستكمل بالوقائع الرد على مزورى التاريخ.
يذكر موسى صبرى فى كتابه (قصة ملك- دار القلم) أن طلبة إحدى المدارس الثانوية تجمعوا وهتفوا بهتافات ضد فاروق فدخل أحمد طلعت حكمدار القاهرة بمصفحاته إلى فناء المدرسة واستدعى الناظر ووجه إليه إنذارا بأن يعجل بانصراف الطلبة خلال ثلاث دقائق وإلا كان هو مسئولا عن النتائج.. حدث ذلك فى أواخر ديسمبر 1951.. ويذكر مرتضى المراغى –وزير الداخلية- فى مذكراته التى نشرتها دار المعارف أن البلاد اشتعلت بالمظاهرات ضد فاروق فى أنحاء القاهرة على إثر مولد ولى عهده أحمد فؤاد يوم 16 يناير 1952 وبينما كانت موسيقى الحرس الملكى تعزف احتفالا بتلك المناسبة خرج الملك إلى شرفة قصر عابدين لتحية الجماهير التى ظن أنها محتشدة لتهنئته فى الميدان فرحا واحتفالا بمولد ولى العهد لكنه صدم لعدم وجود الحشود التى تخيل وجودها.
وفى مظاهرات حريق القاهرة 26 يناير 1952 كانت الهتافات تدوى ضد الباشوات والبريطانيين وحافظ عفيفى والفريق محمد حيدر القائد العام للجيش وضد فاروق شخصياً وسجل السفير البريطانى ذلك فى برقية إلى حكومته وتم توزيع منشورات تصف فاروق بالإجرام والقذارة وتسميه (الخنزير ويطلق عليه بلقب (نيرون) وفى كتاب محمد زكى عبد القادر (محنة الدستور- مطابع أخبار اليوم) أن اضمحلال هيبة فاروق أدت إلى انتشار النكات السياسية حول شخصيته ويقول إن هذه النكات أضافت إلى الهيبة خيبة وكانت تدل على المشاعر الشعبية التى تكن الكراهية للملك كما تدل على مدى الضغوط الاجتماعية والسياسية التى كان يعانى منها المصريون، وقد دخل الممثل الكوميدى الشهير إسماعيل ياسين السجن ثلاث مرات بسبب النكت التى كان يلقيها على المسرح كل ليلة عن الملك فاروق ويثير بها ضحك الجمهور، وتذكر أستاذة التاريخ لطيفة محمد سالم فى كتابها (فاروق وسقوط الملكية فى مصر-مكتبة مدبولى) أن الهجوم على الملك امتد إلى المساجد فكان الخطباء يهاجمون الملك فاروق بالتلميح والرمز وبشكل غير مباشر، وبعضهم كان يهاجمه صراحة كما حدث فى مسجد الخازندارة بشبر عقب صلاة الجمعة فقد وقف الخطيب وهاجم فاروق بالاسم ووصفه بالفاسق، وعند التحقيق معه أخرج من جيبه مجلة أجنبية ذكرت أن الملك خسر مبالغ كبيرة فى ليلة واحدة على مائدة القمار أثناء رحلته فى أوروبا.
وبعد قيام الثورة صدر مرسوم بقانون بالعفو الشامل عن المتهمين بالعيب فى الذات الملكية الذين كانوا مقدمين للنيابة العامة لإحالتهم إلى محكمة الجنايات وكان من بينهم أشخاص من عامة الشعب وليسوا من الصحفيين أو السياسيين مثل : أنور نور الدين عبده،والعتريس حسن الحلموسى الذى كان متهما بالعيب فى الذات الملكية والاشتراك فى تجمهر ومظاهرات وتحريض الطلبة عن عدم تلقى الدروس، وغيرهما كثيرون من بينهم مثلا الملازم أول محمد حلمى عبدالخالق الذى تزعم مظاهرات يوم 26 يناير 1952 وركز على ان الجيوش للحرب وليست للاستعراضات، وتم التحقيق معه فى النيابة العسكرية ونسبت إليه تهمة العيب فى الذات الملكية وصدر قرار بفصله من الجيش وهذا يدل على أن المواطنين العاديين من عامة الشعب كانوا يظهرون الكراهية لفاروق وللإفلات من المحاكمة ابتكرت الصحف رسوما ورموزا تدل على فاروق وكان يفهمها القراء.. ابتكرت روزاليوسف شخصية غول ضخم الجثة اسمه (الفساد) تشير من خلاله على فساد الملك.
وابتكرت رمزا يدل على الملك فى شكل يد ضخمة تلبس خواتم ثمينة، وظهرت فى عدد من روزاليوسف هذه اليد وهى تحرك بالخيوط دمى تمثل الوزراء.
وكانت روزاليوسف تنشر أخبار الملك ومقالات الهجوم عليه وترمز إليه بكلمة (الشخصية الكبيرة)وأجابت عن قارئ سأل عن هذه الشخصية الكبيرة فقالت إنها تعتمد على فطنة القراء لظروف خاصة وفى تناولها لرحلة فاروق إلى أوروبا فى شهر العسل بعد زواجه من ناريمان كتبت (كل رقيع يخرج من خارج مصر يسئ إلى سمعتها).
وكتب أحسان عبد القدوس فى عدد 21 أغسطس 1951: (دولة الأغوات وحملة القماقم وتنابلة السلطان) وقال أيضاً (إن الشعب هو الذى أقام محمد على واليا على مصر وحاكما لها.. وهو اليوم قادر على أن يختار لحكمه من يشاء ويستبدل قوما آخرين) وابتكرت روزاليوسف رسم حذاء ضخم تشير به إلى استبداد فاروق وتزلف الزعماء، وكتب خالد محمد خالد فى روزاليوسف عدد 17 سبتمبر 1951 بعنوان (كن ملكا.. يا جورج) قال فيه: (ومن الحكام من لا يجد بجواره أماً تصيح به كن ملكا يا جورج.. ولكن غروره يقوم مقام الأم الغائبة فيضله ويغريه .. ويمعن فى استهتاره بحقوق الشعب وإراداته وطاقته).. وقد سجن إحسان عبد القدوس لنشره مقالا بعنوان (من المسئول عن حكم مصر) فى عدد 25 يوليو 1950 وأفرج عنه بكفالة هو والسيدة روز اليوسف وتأخر صدور العدد 18 ساعة، وفى عدد 10 أكتوبر 1950 نزعت الرقابة المقال الافتتاحى وكان بعنوان (حقوق الشعب وسلطان الملك) وسجن إحسان مرة أخرى بسب مقاله (دولة الأغوات) فى عدد 15 مايو 1951.
***
وكانت حملات صحيفة (الجمهور المصرى) صريحة على الملك والبوليس السياسى وعلى تعذيب المعتقلين وتلفيق القضايا للمعارضين، وكتب رئيس التحرير أبو الخير نجيب مقالات ملتهبة فى الهجوم على نظام الحكم وعلى الملك وقبل ذلك كتب فى صحيفة (النداء) بعنوان (التيجان الهاوية) عن تحطيم تاج الملك ميشيل ملك رومانيا وقال: (إن الملك الذى يفقد ولاء شعبه يفقد أعظم درع تحمى عرشه، ويصد عن تاجه عاديات الدهر وتقلب الأيام) وأثار هذا المقال ضجة كبيرة وأمر فاروق بأن يأمر النائب العام بالقبض على الكاتب وسجنه ومصادرة الصحيفة، لكن رئيس محكمة مصر أمر بإلغاء قرار مصادرة الصحيفة لأن المقال ليس فيه ما يخالف القانون.
لكن الملك أصر على تقديم أبو الخير نجيب إلى نيابة الصحافة فوجهت إليه تهمة العيب فى الذات الملكية ودخل السجن لكن المحكمة حكمت بالإفراج عنه دون ضمان، وازداد غضب فاروق حتى أنه وبخ رئيس الوزراء لأنه يترك الكتاب يتناولونه بهذا الأسلوب، فاستدعى رئيس الوزراء وزير العدل وطلب منه لوم القاضى الذى أصدر حكم البراءة، فما كان من القاضى إلا أن احتج على تدخل الوزير فى أعمال القضاة، فكان جزاء القاضى الحرمان من الترقية، وبعد ذلك نشرت (الجمهور المصرى) مقالا بعنوان (حديث الرصاص) عقب مقتل الملك عبد الله واغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رياض الصلح وصفت فيه كيف ينقسم الشعب إلى فئتين: فئة تموت جوعا ومرضا وجهلا، وفئة تموت شبعا وتخمة وإسرافا).
كذلك كانت صحيفة (اللواء الجديد) تنشر مقالات نارية ضد فاروق وزعماء ذلك الزمان يكتبها فتحى رضوان مثل مقالات (عهد الكلاب) فى عدد 25 سبتمبر 1951 ، و(الشيطان يتكلم) فى 28 أغسطس 1951 و(رحلات الملوك) فى 3 يوليو 1951 وكتب مصطفى مرعى مقالات هجومية بعنوان (ولاء العبيد وولاء الأحرار) فى 17 أبريل 1951 و(مأساة الرتب والنياشين) فى 15 مايو 1951 وكتب خالد محمد خالد (لا تخف أنك الأعلى) و(الملك فى طريقه إلى المقصلة) و(من القصر إلى السجن) و(أيامه الأخيرة) عن الثورة الفرنسية!، ونشرت (اللواء الجديد) مقالا بعنوان (الملك ليس معصوما من الخطأ) ..ووجهت إلى سيد قطب تهمة العيب فى الذات الملكية وتحريض الفقراء على الأغنياء بسبب مقال بعنوان (ثمن الرغيف) وتم حبس أحمد حسين أكثر من مرة احتياطيا على ذمة جناية العيب فى الذات الملكية.
وبعد حريق القاهرة اعتقل فتحى رضوان بأمر شخصى من الملك وتعليقا على اعتقال فتحى رضوان كتب الدكتور جمال العطيفى مقالات بعنوان (آخر قضية عيب فى الملك) وكان فتحى رضوان قد أحيل إلى محكمة الجنايات وتم اعتقال وحين نظرت المحكمة القضية قررت الإفراج عنه وظلت القضية معلقة حتى قامت الثورة وحضر فتحى رضوان أمام المحكمة ليترافع عن نفسه ولكنه كان قد أصبح وزيرا فى حكومة الثورة، وحكمت المحكمة بسقوط الدعوى الخاصة بالعيب فى الملك لأنه لم يعد ملكا وبالبراءة عن تهمة تحريض الفقراء على الأغنياء وكانت هذه كما تنبأ جمال العطيفى آخر قضية عيب فى الذات الملكية وكانت هناك 430 قضية أخرى تحققها النيابة سقطت كلها بقيام الثورة ولم تعرض على المحكمة.
قبل ذلك أحيل فكرى أباظة إلى الجنايات بسب مقالات نشرها فى (المصور) منها مقال بعنوان (ناريمان) فى عام 1950 عندما انتشرت إشاعة عن زواج فاروق بناريمان ونشرت المصور صورتها بزى المدرسة الثانوية التى تدرس فيها وذكرت أن أستاذ اللغة العربية أعطاها 15 من 20 على موضوع الإنشاء بسبب ثلاثة أخطاء نحوية وهجائية، فقدم فكرى أباظة للمحاكمة بتهمة العيب فى ملكة مصر القادمة لأن معنى المقال ان ملكة البلاد القادمة لا تجيد لغة البلاد ونشرت المصور صورة ناريمان على الغلاف وتحتها عنوان (المصرية المسعودة بمناسبة رحلتها إلى سويسرا) فقام البوليس بمصادرة أعداد المجلة، وحكمت المحكمة بإلغاء المصادرة، وفى المصور أيضاً كتب حلمى سلام مقالات فى الهجوم على فاروق والحاشية الملكية وأهمها بعنوان (هذا الفساد الأعظم متى تتخلص مصر منه) وكان ذلك عدد 21 سبتمبر 1951.
وفى كتاب الدكتور سيد عشماوى المزيد لمن يريد أن يستزيد!..
ويقولون إن فاروق كان ملاكا وأن عصره كان عصر الحريات