تحذير من "الانسلاخ الثقافى"



دق جرس الإنذار فى قاعة مجلس الشعب يوم عقدت جلسة صاخبة لم يحدث لها مثيل فى تاريخ الحياة النيابية فى مصر لمحاسبة – أو محاكمة – وزير على كلمات عابرة لم تعبر عن سياسة الوزارة ولا عن إجراءات, ولم يترتب عليها حرمان أحد من حق من حقوقه أو من حريته الشخصية.


وبعيدًا عن مناقشة الموضوع فإن تأمل أسلوب الحوار والتربيطات وسيناريو الجلسة وتصاعد الأحداث الدرامية فيها يشير إلى شىء يستحق التأمل وليس من المصلحة تجاهله..


تحذير آخر جاء فى بحث أجرته جامعة الأسكندرية تبين منه أن نسبة كبيرة من الطالبات أفكارهن مشوشة حول المفاهيم الدينية والحلال والحرام والنقاب والجهاد والفكر والإيمان وغير ذلك من أمور الدنيا والدين!


تحذير المرارة من وزير التعليم العالى الذى نشرته الصحف أشار فيه إلى عجز عن إصالح أحوال التعليم فيه إلى عجزه عن إصلاح أحوال التعليم فى الجامعات بقوله سنوفر أماكن بالجامعات للناجحين فى الثانوية العامة, ولا يسألنى أحد عن الجودة, أما الامتحانات التى تجرى عندنا فهى لمجرد إرضاء الناس. هكذا نفهم أن تخلف التعليم حقيقة, وإستمرار هذا التخلف قد مكتوب علينا!


وفى تقرير للجهاز المركزى للاحصاء عن نزايد ظاهرة العنوسة يقول إن فى مصر 9 ملايين شاب وفتاة فاتهم قطار الزواج إما بسبب البطالة أو العجز عن الحصول على مسكن وتدبير تكاليف الزواج, وربما يكون لذلك علاقة بما أعلنه المسئول عن الصحة النفسية بوزارة الصحة عن ومجود 4 ملايين يعانون أمراضًا نفسية بينهم نسبة لا بأس بها من الشباب, وما أعلنه أستاذ الطب النفسى الشهير الدكتور أحمد عكاشة من أن 5% من المواطنين مصابون بالإكتئاب وقد يلقى الضوء على هذه الظواهر بحث للمركز القومى للبحوث الاجتماعية يقول أن المصريين ينفقون على الشعوذة وقراءة الطالع وفك السحر والعلاج من الجان مبالغ تزيد على دخل قناة السويس (!) وأن الدنيا دجالاً لكل 240 مواطنًا, بالإضافة إلى ربع مليون دجال يمتد نشاطهم إلى الدول العربية, وأن 200 ألف شخص يلجأون إلى العلاج من الأمراض المستعصية وغير المستعصية بالاحجبة.


وإذا تأملنا نتائج بحث أجراه الدكتور على أبو الخير الباحث بمركز المعلومات بمجلس الوزراء فسوف نجد أن أجراس الإنذار تدق بقوة, فقد توصل فيه إلى أن الشباب أصبح عازفًا عن المشاركة فى قضايا المجتمع, ويبتعد عن النشاط السياسى وعن النشاط الاجتماعى أيضًا, وأن المهتمين بالقضايا العامة منهم يتابعون الإعلام الخارجى ويقولون إنهم يبحثون بذلك عن الحقيقة وإنهم يتشككون فى الإعلام الرسمى..


أظن أن هذه الحقائق تكفى , إن كان هناك ما هو أكثر آثارة للقلق منها, وعلماء الاجتماع يوجهون تحذيرات من أنه هذه بدايات لما يسمونه "الانسلاخ الثقافى" ومعناه عندهم الانفصال عن هموم المجتمع وقضاياه, والإنتماء فكريًا إلى ثقافة مجتمعات أخرى وبالتالى يضيع الولاء والإنتماء, ويفقد الآباء والمعلمون والدعاة والإعلاميون تأثيرها على أفكار هؤلاء الشباب.. وكل ذلك بسبب غياب الحوار مع الشباب فى البيت والدرسة والجامعة والنادى.. وإنشغال الكبار بأحوالهم وهمومهم عن الإهتمام بأحوال وهموم الشباب.. وقصور مؤسسات رعاية الشباب عن إقامة جسور الحوار وإستيعاب طاقات الشباب وتوجيههًا إلى ما يفيد الشباب.


يقول البحث الاجتماعى أن المسئولين عن التربية لم يدركوا أن الجيل الجديد أصبح مختلفًا عن جيل الآباء فى كل شىء تقريبًا.. فى السلوك والملابس وطريقة التفكير وأسلوب الكلام, وفى القيم الإخلاقية والدينية والاجتماعية, ونتيجة لذلك أصبحت هناك فجوة بين الأجيال يحذرون من إتساعها فيصبح المجتمع المصرى مجتمعين وليس مجتمعًا واحدًا, خاصة مع وجود من يرجون لثقافة التعصب أو ثقافة الأنهزامية والإحباط أو ثقافة العبث واللامبالاة.


والحل؟ نحن فى حاجة إلى بداية جديدة ومختلفة وجادة للتعامل مع الشباب.. وهذا ما يستحق حديثًا آخر.


 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف