فى مدرسة الأهرام


مازلت أذكر اليوم الأول لى فى الأهرام على الرغم من مرور عشرات سنوات على ذلك اليوم, ومازلت أشعر بالرجفة والدوران اللذين شعرت بهما عندما دخلت صالة التحرير ورأيت فيها أصحاب الأسماء الكبيرة الذين كنت أقرأ لهم وأحلم بأن أجلس إليهم.


كان شعورى يومها أننى تلميذ يدخل مدرسة ليتعلم, وكان حلم حياتى – من أيام المدرسة الإبتدائية فى دمنهور – أن أكون صحفيًا, ولم يخطر ببالى أن أكون فى أى مكان غير الأهرام.. كان الأهرام هو حلم حياتى الوحيد ولذلك لم أصدق نفسى عندما وجدتنى أدخله ملتحقًا بهذه المدرسة السحفية الكبرى. ومازلت إلى اليوم أحمد الله على أن حقق لى هذا الحلم. وعندما انتقلت إلى دار المعارف رئيسًا لمجلس إدارتها ورئيسًا لتحرير مجلة أكتوبر لم تنقطع صلتى بالأهرام يومًا.. أحببت دار المعارف ومجلة أكتوبر وشعرت بأنى أحمل جنسية مزدوجة, وسهل الأمر أن دار المعارف ومجلة أكتوبر ينتميان إلى نفس المدرسة الصحفية.


ولقد تعلمت فى مدرسة الأهرام الكثير.. احترام الكلمة.. والحرص قبل كتابتها.. والتدقيق فى حة كل معلومة وكل خبر.. واحترام الرأى الموضوعى مهما يكن مختلفًا أو مخالفًا.. وتعلمت كيف يكون الصحفى محترمًا فى المجتمع.. وتعلمت أن الصحفى مهما بلغ من المناصب فإنه يظل صحفيًا يجرى وراء الخبر, ويتحرى الدقة والصدق.. ويظل ولاؤه للقارىء وللحقيقة.. وتعلمت أن أكون واحدًا فى فريق يتحمل مسئولية كبرى تجاه الرأى العام.. تعلمت أن حماية الأمن القومى – فى حدود عملى صحفى – واجب مقدس, ومسئولية كبرى, لا تقل أبدًا عن مسئولية أى مسئول فى البد.


وفى هذه المدرسة كنت محظوظًا لأنى تعلمت من الأستاذ هيكل أستاذى الأول الأكبر ومؤسس الصحافة الحديثة فى مصر والأستاذ أحمد بهاء الدين العملاق المتواضع, والأستاذ ممدوح طه رئيس قسم الأخبار الذى كان بالنسبة لنا أبًا وصديقًا, ولا أنسى أنه كان يذهب معى فى أو لقاء مع كل وزير يضيف لى اختصاص متابعة نشاط وزارته. والأستاذ صلاح هلال رئيس قسم التحقيقات والمعلم لأجيال أصبحوا بفضله أساتذة فى كتابة التحقيق الصحفى.. وأساتذتى فى الدسك المركزى الذى أنضممت إليهم لأتعلم منهم وكانوا قمة فى الحرفية والاخلاق والتواضع.. الأستاذ عبد الحميد سرايا.. والأستاذ أحمد نافع.. والأستاذ كمال نجيب.. وفى مدرسة الأهرام أتيحت لى فرصة الجلوس إلى عمالقة الفكر والأدب فى الدور السادس.. توفيق الحكيم, ونجيب محفوظ وزكى نجيب محمود وحسين فوزى وبن الشاطىء وثروت أباظة ويوسف إدريس.. ولا أنسى الدروس التى تعلمتها من الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى, وكان مكتبه لحسن حظى قريبًا من مكتبى.. ولا أنسى الأستاذ محمد يوسف كبير مصروى الأهرام الذى كان يعمل ليل نهار رغم تقدمه فى السن.


حياتى فى الأهرام مليئة بالذكريات والمشاعر.. وبعد عشرات السنين مازال شعورى كلما دخلت الأهرام أنى أدخل مدرسة لها تقاليدها وأخلاقياتها وأنى أحمل على كتفى مسئولية الحفاظ على تراث عظيم عمره 130 سنة.


 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف