العراق بعد الانتخابات
بعد إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة في العراق, هل سيعود العراق غدا أو في المستقبل القريب كما كان قبل الغزو الأمريكي؟ وفقا للدعاية الأمريكية, فإن العراق سيصبح بعد الانتخابات دولة ديمقراطية, ونموذجا تحتذي به بقية الدول العربية, وصديقا لإسرائيل, وحليفا لأمريكا. ووفقا لمعطيات الواقع سيبقي العراق تحت الاحتلال الأمريكي بعد انسحاب بعض القوات, وسيظل القرار يصدر من البيت الأبيض, وستبرم عقود تعطي السيطرة علي البترول لأمريكا وبريطانيا,
وستجد إسرائيل فرصتها في الوجود قريبا من إيران وسوريا, وللتعاون الاقتصادي والتجاري مع الطبقة الجديدة التي أنشأها الاحتلال الأمريكي, وستجد مخابرات العالم في حالة الانقسامات وفقدان الأمن فرصتها لإنشاء قاعدة لها في المنطقة للعمل بحرية, كما ستجد المنظمات الإرهابية في العراق مساحة مناسبة لمنازلة أمريكا وقواتها ولإثارة الفوضي في البلاد. وبالنسبة للعرب, فإن أمنيتهم, أن يتوحد العراق, ويستقل, ويستعيد مكانته وقوته العسكرية والسياسية, لكي يستعيد العالم العربي التوازن الذي أصابه الخلل بانهيار الدولة ومؤسساتها.
أما بالنسبة لأمريكا, فلا أظن أن الموقف سوف يتغير, ولكن سيكون التغيير في الشكل وفي الصورة بفعل البروباجندا السياسية التي تتبعها الإدارة الأمريكية في الداخل والخارج, وستبقي أمريكا في مأزق استراتيجي, وسيكون عليها أن تختار بين الاستمرار في احتلال العراق وتحمل نزيف الأرواح بعد أن زاد عدد قتلاها علي2500 جندي, وأكثر من20 ألف مصاب, فضلا عن خسائرها المالية التي زادت علي200 مليار دولار بخلاف ماسيستجد, وسوف يستمر تدهور مكانة أمريكا الدولية وتتآكل مصداقيتها يوما بعد يوم, هذا أو أن تختار الانسحاب وتحمل نتائج الاعتراف بالهزيمة مع ما في ذلك من مخاطر سياسية علي الإدارة الحالية, وقد ينتهي بها الأمر إلي ما انتهت إليه إدارة نيكسون, وقد لاتتحمل مواجهة الرأي العام الأمريكي بقرار الخروج دون تحقيق الهدف الاستراتيجي للغزو, بعد أن اعترفت بعدم صحة أسباب هذا الغزو,
وسوف يصبح المأزق خانقا لايمكن الإفلات من عواقبه إذا شملت خسائرها الأسباب والنتائج, ولن يكون أمام تيار المحافظين الجدد إلا الاعتراف بالفشل, خاصة بعد تزايد المظاهرات والمعارضة في الكونجرس والصحافة, وبعد أن وصف خبراء أمريكيون في الاستراتيجية حرب العراق, بأنها أكثر الحروب غباء في القرنين الماضيين.
وفي مجلة( جويش ويكلي) الأمريكية, نشر الباحث الاستراتيجي( بريان ويتكر) دراسة تساءل فيها: هل ستكون لدي الرئيس جورج بوش الشجاعة للاعتراف بتضليل الشعب الأمريكي, ويتراجع عن أكثر الحروب غباء منذ حروب الإمبراطور أغسطس في القرن التاسع, عندما أرسل جيوشه لغزو ألمانيا وانتهي به الأمر إلي فقدان هذه الجيوش؟ وقال ويتكر: إن صاحب وصف حرب العراق بأنها أكثر الحروب غباء, هو البروفيسور مارتن فان جريفلد الأستاذ بالجامعة العبرية بالقدس, وهو من أشهر الخبراء في التاريخ العسكري, وله دراسات وكتب عديدة عن نظريات الحرب الحديثة, وهو المؤلف غير الأمريكي الوحيد الذي تدرس كتبه في الأكاديميات العسكرية الأمريكية.
وقد عقد البروفيسور جريفلد مقارنة بين حرب العراق وحرب فيتنام والحروب المماثلة لهما خلال ستين عاما, وانتهي إلي ما انتهت إليه جميعها بالفشل, وهذه الحقيقة معروفة لخبراء الحرب والاستراتيجية الأمريكيين, فكيف ذهب الرئيس بوش إلي غزو العراق؟ ولماذا قال إنه سيحقق فيها نصرا تاريخيا؟ وها هي الأزمة قد تفاقمت علي الرغم من مرور أكثر من عامين علي بداية الحرب, وبعد أن تحملت أمريكا خسائر فادحة, وبعد كل ذلك فإنه من الصعب رؤية أي نصر في هذه الحرب, وهذا ما جعل بلير يتراجع عن الأسباب التي كان يرددها لتبرير الغزو, ويعلن أخيرا أنه يكفي لتبرير الغزو أن العراق أصبح بدون صدام حسين, ثم يعلن عزمه سحب القوات البريطانية تدريجيا.
هذا مايقوله أمريكيون وإسرائيليون, أما نحن فإننا مضطرون لإبداء التفاؤل والأمل في أن تعود دولة العراق وشعب العراق إلي ماكانا عليه, وأن تكون بداية تحقيق هذا الأمل في الحكومة الجديدة والبرلمان والدستور, وبعض الآمال تتحقق أحيانا!