أزمة المسلمين فى الغرب

في يوم‏23‏ فبراير‏1862‏ القي المفكر الفرنسي المشهور ارنست رينان محاضرة في الكوليج دي فرانس شرح فيها نظريته‏,‏ وملخصها أن الاسلام وحضارته هما النقيض لأوروبا وحضارتها‏.‏

وقد دخلت هذه المحاضرة التاريخ‏,‏ لأن هذه النظرية لقيت قبولا من المفكرين والسياسيين وانتشرت في الرأي العام في اوروبا ثم في الولايات المتحدة‏,‏ ورددتها وسائل الاعلام‏,‏

وبذلك تعمق الشعور بالأزمة لدي المسلمين في الغرب‏,‏ وتطورت نظرية رينان حتي تبلورت أخيرا في نظرية صدام الحضارات ثم نظرية الحرب العالمية علي الإرهاب‏(‏ الإسلامي‏)..‏ وفي النهاية وصلت الأمور حاليا إلي حد الاشتعال في حوادث العنف في فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخري‏.‏


وفي الفكر الغربي ترسخت فكرة وجود قطبين في العالم وحتمية الصراع بينهما‏,‏ وهذا ما جعل الإسلام القطب البديل للاتحاد السوفيتي‏,‏ وسادت نظرية الثنائية التي عبر عنها فلاسفة في الغرب بقولهم‏:‏ هنا وادي السليكون‏..‏ وهناك وادي مكة بما يعني أن التقدم والحضارة في جانب‏,‏ وأن التخلف الإسلامي في الجانب الآخر والهوة بينهما واسعة ولا يمكن عبورها‏.‏


ويستشهد المفكر الألماني مراد هوفمان علي ذلك بنتائج استفتاء أجري في ألمانيا قرر‏48 % من المشتركين فيه أنهم يرون الاسلام الخطر الذي يهدد الحضارة والثقافة الغربية‏,‏


كما يستشهد بدراسات تكشف تعمق مشاعر النفور من المسلمين في الغرب‏,‏ منها ـ علي سبيل المثال ـ كتاب عضو الكونجرس الأمريكي السابق بول فندلي من يجرؤ علي الكلام الذي قدم فيه نماذج للاضطهاد الذي يعاني منه كل من يحاول قول كلمة حق عن المسلمين والفلسطينيين والعرب عموما‏.‏ وكتاب الباحث الأمريكي اندرو هارلي أمة واحدة تحت سيطرة إسرائيل


ويقصد الأمة الأمريكية‏.‏ وإلي جانب مئات الكتب والدراسات ساهمت السينما الأمريكية في نشر الخوف من الاسلام والمسلمين مثل فيلم الحصار الذي صور المسلمين الأمريكيين علي أنهم خطر يهدد الولايات المتحدة من داخلها‏,‏ مع أنهم امريكيون لحما ودما‏,‏


ومع السينما شاركت برامج التليفزيون عن الاسلام والجهاد والإرهاب في تشويه صورة الإسلام والمسلمين في عيون الغربيين‏.‏


وفي تقارير منظمات حقوق الانسان الأمريكية والأوروبية‏,‏ والاخبار والتعليقات التي تنشرها الصحافة الغربية قصص لا حصر لها عن التمييز والاضطهاد للمسلمين‏,‏ واستباحة حرية وكرامة مواطنين أمريكيين واوروبيين لأنهم مسلمون بالقبض عليهم دون توجيه اتهام‏,‏ وتعرضهم للمضايقات والاستفزاز في اعمالهم ومساكنهم‏,‏ وامتداد المضايقات والاستفزاز لأبنائهم في المدارس‏.‏


تذكروا بشاعة مايجري في جونتانامو وسجن أبوغريب و‏14‏ سجنا سريا والضحايا فيها كلهم مسلمون‏(!),‏


وليس هذا موقف المواطنين العاديين الذين يمكن وصفهم بالسطحية أو الجهل ولكنه موقف المثقفين والسياسيين ايضا‏.‏ وهم يتحدثون عن تخلف المسلمين لأن قيم ومباديء الإسلام تدعو إلي معاداة التقدم وتعتبر كل جديد بدعة مرفوضة‏,‏ وبناء علي ذلك يطالبون بتعديلات في الدين الإسلامي ويطالبون الغرب بأن يقوم بهذه المهمة بالضغوط وبالإعلام


وباستقطاب جيل من المثقفين المسلمين يعتنق هذه الافكار‏,‏ نجد ذلك في كتاب الشمس تشرق من الغرب للكاتب الأمريكي بتي بومان‏,‏


بل إن مجلة الايكونومست اشهر المجلات البريطانية نشرت دراسة مطولة لعدد من كبار المفكرين والأكاديميين اقترحوا فيها حذف‏14‏ آية من القرآن‏(!).‏


ومؤلفات كثيرة تثير مخاوف الغرب من الإسلام لأنه ينتشر بسرعة ويتزايد عدد المسلمين في المجتمعات الغربية حتي اصبح الدين الثاني في فرنسا رسميا‏.‏


ولا يمكن فهم دوافع العنف في فرنسا وألمانيا وغيرهما بدون الرجوع إلي هذه الخلفيات وتراكماتها في دول ترفع شعارات الحرية والمساواة وحقوق الانسان وتتهم المسلمين بانتهاكها‏.

 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف