قصة حب كبيرة للإسلام

كنت أتمني أن تنظم وزارة الأوقاف وجامعة الأزهر أسبوعا لتكريم ذكري أعظم المستشرقين الذين أنصفوا الإسلام في مناسبة مرور عام علي رحيلها‏,‏ وتقديم دراسات عن شخصيتها وأعمالها الفكرية وترجمة بعضها لتعرف العرب أن الدنيا مازالت بخير‏,‏ وإذا كان في الغرب من يسئ إلي الإسلام ويشوه صورته في عيون الغربيين فإن للإسلام جنودا اختاروا الانحياز للحق فعرفوا الغرب بالإسلام في صورته السمحة‏.‏


هي البروفيسور أنا ماري شميل أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة بون والمحاضرة في جامعة هارفارد الأمريكية وجامعة أنقرة بتركيا والتي قامت بتدريس الإسلام في معظم جامعات العالم ابتداء من بريطانيا وإيران حتي إندونيسيا والفلبين وباكستان‏..‏ وهي التي زارت القاهرة وأحبتها ودعيت لإلقاء محاضرة في جامعة الأزهر عن القيم والحضارة الإسلامية بدعوة من فضيلة الإمام الأكبر وهي التي تحمل وسام الاستحقاق الكبير أعلي وسام في ألمانيا‏,‏ وحصلت علي جائزة السلام أكبر جائزة في ألمانيا‏,‏ كما حصلت علي أوسمة ودكتوراه فخرية من كثير من دول الشرق والغرب‏,‏ وحصلت علي الدكتوراه مرتين كانت رسالتها في المرة الأولي عن حضارة العصر المملوكي في مصر‏,‏ ورسالتها الثانية عن تاريخ الأديان ومكانة الإسلام بين الأديان السماوية‏,‏ ولها أكثر من‏80‏ كتابا ترجمت من الألمانية إلي الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإندونيسية والفارسية والتركية والأوردية ولم يترجم إلي اللغة العربية سوي عدد من الأبحاث بجهد فردي من باحث مصري مجتهد في سويسرا هو الدكتور ثابت عيد‏.‏


التقيت بها أول مرة في باكستان وكنت في زيارة بصحبة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي‏,‏


وكانت هي منتدبة للتدريس في إحدي الجامعات الباكستانية وجاءت للقاء شيخ الأزهر‏..‏ وفي هذا اللقاء سألتها‏:‏ بعد خمسين عاما قضيتها في دراسة الشريعة والفقه والفلسفة والشعر والتصوف في الإسلام في مختلف المراحل هل رأيت أن هذا الدين يدعو المؤمنين به إلي الإرهاب؟ فانتفضت وقالت‏:‏ معاذ الله‏..!‏ وأضافت‏:‏ يعز في نفسي أن يتعرض الإسلام علنا وبصورة مستمرة ومتعمدة في أغلب الأحيان إلي أحكام مسبقة غير دقيقة تصوره علي أنه دين شرير‏,‏ وقالت إن علاقتها بالشرق الإسلامي علي مدي نصف قرن كانت قصة حب كبيرة‏.‏


وفي كتابات هذه المستشرقة العظيمة شرح دقيق وواع للقضايا الأساسية في الإسلام تدل علي أنها ملمة بالتاريخ والتفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه‏,‏ ولذلك تشرح شرحا دقيقا مفهوم الإيمان في الإسلام الذي لا يكتمل ولا يكون صحيحا إلا إذا آمن المسلم بالله وبجميع الرسل والكتب السماوية دون تفرقة‏,‏ ولها دراسة بديعة عن اعتراف الاسلام وتكريمه للأنبياء من ابراهيم الي محمد‏,‏ وتركيزه علي تكريم كل من موسي والمسيح بن مريم عليها السلام وكل منهما يحتل جانبا كبيرا من القرآن الكريم‏.‏


ولها أيضا شروح لتصحيح المفاهيم الاسلامية المغلوطة في الذهن الغربي‏,‏ مثل مفهوم الجهاد الذي يصوره كثير من الغربيين علي أنه تحريض علي قتال غير المسلمين ومعاداتهم‏,‏ بينما الجهاد في حقيقته مفهوم دفاعي شرع للدفاع عن الدين وعن الارض والعرض والمال اذا تعرض شئ منها للاعتداء‏,‏ وكذلك مفهوم التوكل علي الله الذي يصوره كثير من الغربيين علي انه يفرض علي المسلم السلبية وانتظار ما تأتي به السماء والرضا به خيرا كان أم شرا‏,‏ بينما الحقيقة أن الاسلام يدعو المسلمين الي السعي في الارض‏,‏


وتعميرها‏.‏ وكانت تستدل علي سماحة الإسلام بأبيات للقطب الصوفي الكبير محيي الدين بن عربي‏:‏


لقد صار قلبي قابلا كل صورة


فمرعي لغزلان ودير لرهبان


وبيت لأوثان وكعبة طائف


وألواح توراة‏,‏ ومصحف قرآن


أدين بدين الحب أني توجهت


ركائبه‏,‏ فالحب ديني وإيماني


وتقول‏:‏ هذا المفهوم الإنساني للتسامح وقبول الآخر مهما تكن عقيدة الآخر نجده في صلب العقيدة الإسلامية‏.‏


ألا تستحق تكريما واهتماما بها وبأعمالها؟‏.

 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف