الهزل فى وقت الجد
هناك أوقات ومواقف يصلح فيها الهزل, وأوقات ومواقف لايصلح فيها العبث أو الهزل ولابد أن تؤخذ مأخذ الجد, وأسوأ ما تبتلي به أمة ان يعتلي منابرها ـ في السياسة والصحافة ـ من لا يقدرون المسئولية ويخلطون الجد بالهزل, ويكتبون أو يتحدثون عن أمور تمس أساس حياتنا باستهانة, ويلقون الكلام علي عواهنه, ويباهون ببراعتهم في التلاعب بالألفاظ وقلب الحقائق والتشكيك فيما لا يجوز فيه الشك.
هذه الظاهرة وإن كانت محدودة إلا أن استمرارها سيؤدي إلي التشويش والخلط في وقت نحتاج فيه إلي الوضوح ووزن الأمور بوزنها الصحيح. وقد يؤدي ذلك إلي أفكار خاطئة, وأحكام خاطئة.
ومهما قيل عن ضآلة تأثير هذه الظاهرة فإن معظم النار من مستصغر الشرر!
آخر مثال لهذه الظاهرة التعليقات علي نتائج الانتخابات الرئاسية, وقد تناولها قادة الدول والمعلقون والمراقبون بالتقدير الذي تستحقه وبالجدية التي تناسب أهمية الحدث, بينما ظهرت في مصر كتابات وتعليقات تكرر المعزوفة المملة التي تتردد في كل انتخابات عن التزوير وتدخل الإدارة.
ويبدو غريبا أن يقول المراقبون الأجانب وقادة الدول ومراسلو الصحف وشبكات التليفزيون العالمية إن المواطن المصري مارس حقه في اختيار الرئيس من بين عشرة مرشحين لأول مرة, وفي جو من الحرية لم يسبق له مثيل منذ تأسيس النظام الجمهوري قبل أكثر من خمسين عاما, حيث ظل المواطن المصري علي هامش الحياة السياسية وليس أمامه إلا ان يقبل ما هو معروض عليه, وعلي الرغم من ذلك تستمر جوقة المشككين في موقفها الهزلي.
والأغرب ألا يدرك البعض قيمة ودلالة الشهادات والتعليقات التي جاءت عن مصادر مصرية محترمة مثل القضاة والمجلس القومي لحقوق الانسان بأن الانتخابات كانت نزيهة وأن الاخطاء فيها غير مؤثرة في النتيجة ولا تزيد عما يحدث في انتخابات الدول المتقدمة, وأن تقول اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات بقيادة مركز ابن خلدون المعروف في تقريرها إن البيئة الانتخابية كانت مشجعة أخذا في الاعتبار أنها أول انتخابات رئاسية في البلاد, وهذه اللجنة تضم10 منظمات أهلية. وقال الرئيس الأمريكي إن هذه الانتخابات خطوة مهمة في عملية اصلاحات سياسية مستمرة.. وقالت وزيرة خارجيته إن هذه الانتخابات من أنزه الانتخابات التي رأتها.. وأن الخطوات التي اتخذها الرئيس مبارك تعكس شجاعته في اتخاذ القرار.. ونفس المعني تردد في أقوال رؤساء الدول الكبري التي اعتبرت هذه الانتخابات نقطة تحول في مصر وسوف يكون لها تأثيرها علي أحوال المنطقة, وأن الدول العربية بعدها سوف تشهد تحولات وتغييرات ولن تبقي كما كانت قبلها.
تجاهل مثل هذه الشهادات يدين المتجاهلين ويفقدهم أهلية التعليق علي حدث سياسي كبير كهذا.
ومن الخطأ تجاهل تعليقات الصحف الأجنبية الكبري علي هذا اللغط والطنين بقولها إن الصحف المصرية تحولت بمناسبة الانتخابات إلي ساحة معركة استخدمت فيها جميع الاسلحة بما فيها الأسلحة المحرمة أخلاقيا وسياسيا, واستباحت الضرب تحت الحزام( ولم تكن في التغطية) الصحفية منطقة وسط, وأن بعض الصحف كانت في تغطيتها وتعليقاتها بعيدة عن الواقع.
لقد انتهت المناسبة التي نصبوا فيها السيرك أو يجب ان تنتهي, ونحن الآن أمام رئيس منتخب يجب أن نلتف حوله, ونتقدم معه للعمل والمشاركة في المسئولية, ونقدم له الفكر البناء الذي يفيده في تنفيذ مشروعه القومي الكبير الذي طرحه في برنامجه الانتخابي. وهو مشروع طموح, يبدو للبعض مستحيلا, ولكنه ليس مستحيلا بالنسبة لمن خاض المعارك والأزمات وحقق فيها المستحيل.
ان الرئيس المنتخب يمد يده إلي كل مصري, وهذه هي اللحظة التي يتناسي فيها الجميع آثار المعركة الانتخابية ولا يبقي أمامهم شئ غير مصر ومستقبلها.