زعماء تحت التمرين
كل مهنة لا يسمح بالعمل فيها إلا بعد قضاء فترة للعمل تحت التمرين مثل مهنة المحامي والصحفي والمهندس والطبيب.. الخ, وخلال هذه الفترة يكتسب الشخص الخبرة التي تؤهله لهذا العمل, ويتعرف علي طبيعته وحدوده وضوابطه.. وهذا الشرط لا يمكن التنازل عنه حتي لقيادة سيارة فما بالك بقيادة وطن؟!.
وهل يمكن تسليم زمام البلاد لمن لم يتمرس بالعمل السياسي فترة كافية يثبت فيها كفاءته ومقدرته علي القيادة وإدراكه لكيفية إدارة السياسة الداخلية والخارجية..؟ ولنا أن نتصور المخاطر التي تواجه بلدا يتولي قيادته رئيس دون أن يكون مؤهلا تأهيلا كافيا لذلك.. بينما سيكون هو المسئول بحكم موقعه عن اتخاذ الاجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد البلاد, وهو الذي يتولي السلطة التنفيذية, ويضع مع مجلس الوزراء السياسة العامة للدولة, ويشرف علي تنفيذها, وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة, وهو الذي يعلن الحرب ويبرم المعاهدات, وهو رئيس المجلس الأعلي للشرطة, ورئيس مجلس الدفاع الوطني, وهو الذي يعين ثلث اعضاء مجلس الشوري, وعشرة اعضاء لمجلس الشعب, وهو المسئول عن ادارة السياسة الخارجية للبلاد وتحديد علاقاتها مع الدول والمنظمات الدولية.
منصب رئيس الجمهورية لا يقتصر علي مواجهة قضايا ومشاكل الداخل ـ مع اهميتها القصوي ـ ولكن مسئولياته تتسع لتشمل قيادة البلاد بأمان وسط الألغام والضغوط التي تزداد يوما بعد يوم وتزيد الوضع الإقليمي والدولي تعقيدا مما يستلزم الحكمة والحنكة للسير بالبلاد الي طريق الأمان دون توريطها او الانزلاق بها الي مالا يحمد عقباه.. ورئيس الجمهورية عليه أن يتصدي لحماية المصالح العربية التزاما بالدور المحوري لمصر باعتبارها قوة إقليمية.. وعليه مسئولية المحافظة علي الأمن القومي المصري والعربي وتعزيز وضع مصر ومكانتها العالمية.
ونحن نطالبه بفتح اسواق للصادرات لزيادة معدلات التنمية وحل مشكلة البطالة وتوفير العلاج والتعليم الجيد. ونطالبه بالقضاء علي الارهاب لكي تظل مصر بلد الأمان, ونطالبه بادارة العلاقات مع القوي الكبري بمنتهي الحكمة بحيث لا تصل الي درجة التصادم ولا الي درجة التبعية وهذه مهمة صعبة في ظل نظام دولي لم تتشكل صورته بعد ومازالت تسيطر عليه قوة واحدة لها مشروع امبراطوري للهيمنة.
وبنظرة سريعة الي برامج وخطب المرشحين للرئاسة نجد فيهم من يدرك المسئوليات الجسام لهذا المنصب, بينما طرح بعضهم برامج أقرب الي المقالات الصحفية واحلام اليقظة وليست سياسة دولة. وعذرهم أنهم لم يقضوا فترة كافية في العمل السياسي والتفاعل مع الناس ومع الاحداث, وبعضهم ليست لديه دراية كافية بأوضاع العالم والمنطقة ولا بأحوال مصر ذاتها, ولا يعرف كيف يقرأ ميزانية الدولة!
وهؤلاء يلقون بالكلام علي عواهنه دون دراسة فمرشح ليس لديه سوي الهجوم علي نظام الحكم الحالي وكأن ذلك مبرر لصلاحيته هو لتولي حكم البلاد, وآخر يركز هجومه علي نانسي عجرم وهيفاء وهبي ضمن مسوغات صلاحيته لرئاسة الدولة, ومرشح أعلن أنه في حالة توليه الرئاسة سيبدأ بإلغاء وزارات لا يمكن تصور دولة بدونها, ومرشح وصف جميع الأحزاب بأنها أصفار فيما عدا حزبه رغم أن أحدا لم يسمع باسمه واسم حزبه من قبل(!).. ومرشح أعلن أنه في حالة فوزه سيعمل علي امتلاكه أسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية.. ومرشح وعد بزيادة انتاج لبن الإبل عندما يصبح رئيسا للبلاد! وهكذا..
وعود كثيرة أطلقت في الهواء تفوق ما يمكن تحقيقه في أمريكا وأوروبا وفي كل دول العالم. والمفروض الا يتقدم أحد لهذا المنصب إلا إذا كان شخصية سياسية معروفة لها تاريخ ومواقف وخبرة كافية لكي يطمئن الشعب علي البلد إذا تولي قيادته.. ولكن يبدو أن هؤلاء أرادوا أن تكون مشاركتهم كمرشحين للرئاسة ضمن فترة التدريب.. وإن كان بعضهم قد تأكدت عدم صلاحيته وعدم جدوي بقاء حزبه.. وهذه من مزايا هذه المعركة التي كشفت عن الحجم الحقيقي لكل مرشح وكل حزب مما سيؤدي بالضرورة إلي إعادة بناء الأحزاب بعد ذلك.