بداية الإرهاب و نهايته

عندما نطالب المؤسسة الدينية باستراتيجية جديدة لمواجهة فكر الإرهاب‏,‏ فإننا بذلك نعبر عن تقديرنا لهذه المؤسسة‏,‏ ومقدرتها علي القيام باعمال أكبر مما تقوم به لوقاية البلاد والعباد من هذا الشر المستطير‏,‏ ونعتقد أنها قادرة علي تجديد أساليبها في الدعوة والتربية الدينية‏.‏

ولاشك أن البيانات والتصريحات التي تصدر عن كبار رجال الدين لها تأثيرها‏,‏ وهي تعكس موقفا ثابتا يرفض المفاهيم والتفسيرات المنحرفة‏,‏ للدين‏,‏ ويدين عمليات القتل العشوائي وترويع الآمنين وتخريب الأماكن العامرة‏,‏ وقطع الارزاق‏.‏ وهذا الموقف لايعني أن المؤسسة الدينية لم يعد لديها مايمكن ان تضيفه لأن الثمن الباهظ الذي يدفعه المجتمع نتيجة هذه الجرائم التي تسيء إلي الاسلام‏,‏ يفرض علينا ألا نسكت علي بعض الثغرات التي اتسعت‏,‏ ومنها علي سبيل المثال‏:‏


‏*‏ مازالت هناك منابر ومساجد يستخدمها شباب غير مؤهل للفتوي ولا للدعوة والوعظ‏,‏ ينشرون منها فكر التطرف‏,‏ ويحرضون علي الكراهية‏.‏


‏*‏ إن التحقيقات مع الارهابيين تكشف أنهم تم تجنيدهم في مساجد‏,‏ وتم تلقينهم فكر الغلو في التكفير في هذه المساجد‏.‏


‏*‏ إن الأرصفة مليئة بالكتب التي تحمل فكر التكفير وتحرض علي العنف وتثير انفعالات الغضب في نفوس قرائها‏,‏ وبعضها يستند إلي أحاديث غير صحيحة‏.‏ وبعض هذه الكتب تتهم‏,‏ رجال الدين المعتدلين بالخروج علي الملة‏,‏ وقد أطلقوا علي فقهاء الشريعة الكبار اسم فقهاء السلطة للتشكيك في فتاواهم وأحكامهم وبياناتهم‏,‏ وساعدت هذه الكتب ـ كما ساعد هؤلاء الأدعياء ـ علي تعميم الحكم بالتكفير حتي شمل المجتمع كله‏.‏


وبعد أن كان شعار الجماعات الاسلامية الأولي أنهم دعاة لا قضاة‏,‏ أصبحت الجماعات الحالية قضاة لا دعاة‏,‏ اعطوا لأنفسهم سلطة الحكم علي الناس بالكفر او الايمان‏,‏ ولم يلتزموا بالقاعدة الأصولية التي تحرم تكفير مسلم أقر بالشهادتين‏,‏ ولم ينكر ماهو معلوم من الدين بالضرورة‏,‏ ولم يكذب صريح القرآن‏,‏ ولو كانوا دعاة لاتبعوا القاعدة التي يتمسك بها كبار شيوخنا‏,‏ وهي تعليم الناس أمور دينهم علي وجهها الصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة‏,‏ والعمل بالحسني علي هداية الضال وتوعية العاصي دون أن يعطي أحد لنفسه الحق في فرض عقوبة علي العصاة والمخطئين لأن ذلك ليس من اختصاص الدعاة‏,‏ ولا يحاسب الناس علي ايمانهم‏,‏ وما في قلوبهم أحد غير الله‏.‏

‏*‏ إن المؤسسة الدينية تكتفي حتي الآن بموقف الدفاع وتكرار الاحاديث التقليدية التي تردد فيها ان الاسلام دين الوسطية والتسامح والعدالة‏,‏ وحقوق الانسان‏,‏ دون أن تعمل علي تحليل أسباب الارهاب‏,‏ أو تناقش الافكار المؤثرة في عقولهم وسلوكهم‏.‏ ودون صيغة للتعاون مع المؤسسات الاجتماعية والاعلامية‏.‏

وقد أصدرالامام الراحل الشيخ جاد الحق علي جاد الحق كتابا من جزءين بعنوان بيان للناس من الأزهر الشريف اراد به ان يكون فيصلا يفرق بين الحق والباطل‏,‏ تناول فيه الأحاديث المكذوبة التي يرددها المتشددون‏,‏ وفرق بين ماهو قطعي وماهو ظني في النصوص وأقام الدليل الشرعي علي أن المعاصي لاتسلب الايمان‏,‏ وحذر من اختزال الحكم علي الناس بالكفر والايمان فقط وتجاهل الدرجات المتعددة بينهما‏,‏ ولكن هذا الكتاب الذي صدر عام‏1984‏ اختفي بعد موت صاحبه‏,‏ ولم يصبح منهاجا للدعوة والدعاة‏,‏ وطواه النسيان‏,‏ وهذه هي المشكلة ان هناك جهودا كبيرة بذلت وتبذل لتصحيح المفاهيم‏,‏ ولكن ينقصنا المتابعة والاستمرار‏.‏

ان الارهاب لن ينتهي باجراءات الأمن‏,‏ ولن ينهزم إلا حين تدخل المؤسسة الدينية بكل ثقلها في هذه المعركة التي يتوقف عليها مستقبل البلد‏.

 



جميع الحقوق محفوظة للمؤلف