فاروق كان ملكا وليس ملاكاً ( 29 )
تورط الملك فاروق فى مشكلة تحرش جنسى مع الملكة فردريكا ملكة اليونان (زوجة الملك بول) أثناء زيارتها الرسمية لمصر، وكانت جميلة وشديدة الجاذبية، وعندما قبّل فاروق خدها كما هى العادة حاول أن يصل بالقبلة إلى شفتيها فأزاحته، فحاول احتضانها، ولكنها تعاملت معه بحزم. وتطورت الفضيحة، لأن الملكة فردريكا قطعت الزيارة وسارعت بمغادرة مصر، وتحدثت بما جرى إلى بعض الدبلوماسيين الأمريكيين فى القاهرة، فتسرب الخبر. وفى حديث صحفى مع ويليام آتوود وهو من كبار محررى مجلة (لايف) الأمريكية أكدت الملكة أن ذلك حدث فعلاً.
وقد تقدمت الحكومة اليونانية برجاء إلى الملكة فردريكا بأن تصدر بيانا يقلل حجم الإساءة إلى ملك مصر ليس حرصا على ملك مصر، ولكن بسبب مصالح الرعايا اليونانيين فى مصر الذين توجه وفد منهم إلى سفارة بلدهم فى القاهرة يلحون على تدارك الأزمة، كما أن المليونير جورج كوتسيكا وهو من أبرز رجال الجالية اليونانية فى القاهرة طار إلى العاصمة اليونانية وشرح للمسئولين فيها الخطر على الرعايا اليونانيين فى مصر من خطر الملك فاروق.
هذه القصة يذكرها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه الشامل "سقوط نظام" اعتمادا على تقارير وبرقيات السفارة البريطانية فى اليونان إلى وزارة الخارجية فى ديسمبر 1950، وقد أصبحت هذه التقارير والبرقيات ضمن الوثائق البريطانية التى رفعت عنها قيود الحظر والسرية بعد مرور خمسين عاما كما يقضى القانون البريطانى.
***
وتذكر سهير حلمى فى كتابها (فاروق ظالماً ومظلوماً) قائمة طويلة بأسماء سيدات أطلقت عليهن اسم (نساء فاروق) منهن: الأميرة مهوش طوسون، وفاطمة طوسون، وليليان كوهين، والممثلة اليهودية كاميليا، والراقصة سامية جمال، والأميرة باتريشيا، والمغنية الفرنسية آنى بيريه، وناهد رشاد وميمى ميدرت، وهيلين موصيرى زوجة ولى عهد دولة أوروبية، وبارابان سكيلتون، وأنا ماريا جاتى، وجيرارد جنيبيرد، وكريستيان دورى، وبيرجن استنبرج، وايرين جينيل، وسوزى سوليدر، وجريس فليدز.. إلخ.
وتذكر سهير حلمى أن الممثلة كاميليا أبوها يهودى (فيكتور كوهين) وأمها مسيحية (أولجا)، وأن انطون بوللى مدير الشئون الخاصة هو الذى تكفل بتحديد موعد لها بمقابلة الملك وسرعان ما انتشر الخبر فى مصر كلها، ولكى يبتعد عن العيون سافر فاروق إلى جزيرة قبرص والتقى هناك بكاميليا، ولكن الخبر وصل إلى القاهرة وظن فاروق أن كاميليا هى التى سربت الخبر فغضب منها وسافر من قبرص إلى تركيا، لكن كاميليا أرسلت إليه بأنها سوف تنتحر إذا لم يعد إليها فعاد من تركيا إلى قبرص.. وبعد ذلك تردد اسم كاميليا فى قضية الأسلحة الفاسدة وتجنيدها من الوكالة اليهودية ونشاطها كعميلة للمخابرات الإسرائيلية (الموساد) التى تأسست فى عاصمة سويسرا برئاسة جيمس زارب الذى كانت له صلات بيهودى مصرى (إيزاك ديكسون) كان يدير صالة لتعليم الرقص فى القاهرة.
وتنقل لنا سهير حلمى ما كتبته الأديبة الراحلة سنية قراعة التى كان لقبها (الجاسوسة الحسناء) من أنها سنية قراعة – كانت تمد وزارة الداخلية بالمعلومات التى تصل إليها عن الملك فاروق، وحدث أن اكتشفت تورط الملك فى علاقة نسائية بامرأة يهودية، وقالت سنية قراعة:(كنت أجمع معلومات كثيرة بواسطة البنات اللواتى يعملن معى، وكان نشاطهن جيدا، وفى إحدى المرات علمت أن سيدة معروفة فى القصر الملكى قدمت للملك فى الفترة التى اعقبت طلاقه من الملكة فريدة، وأن هذه السيدة جاسوسة يهودية، وعرفت ذلك من مندوبتى فى الوكالة اليهودية، وعرفت أن هذه السيدة تتظاهر بأنها فرنسية الجنسية، ووصلنى تقرير كتبته هذه السيدة، وفى مرة أخرى راقبت لقاء بينها وبين أحد العملاء القادمين من الخارج وتم لقاؤهما بالإسكندرية، وحين تأكد فاروق أنها جاسوسة هاجم الحرس الملكى البنسيون الذى التقت فيه الجاسوسة مع العميل والقى القبض عليهما ووجدت معها أفلام صورت بكاميرا خفية وهى فى أوضاع غير لائقة.
أما علاقة فاروق بالراقصة سامية جمال فقد كانت الهتافات فى المظاهرات التى كانت تطوف بالقاهرة والمحافظات:(ملك مصر والسودان وسامية جمال). وتذكر سهير حلمى فى كتابها أن مجلة (لايف) الأمريكية نشرت قصة إعجاب فاروق بزوجة ولى عهد إحدى الدول الأوروبية كانت تجلس مع الملكة فريدة فى قصر عابدين حين دخل فاروق عليهما وأمر فريدة بالانصراف وانفرد بالأميرة الأوروبية، وكادت تقع أزمة دبلوماسية بين مصر وهذه الدولة الأوروبية لولا أن تدارك الأمر وزير خارجيتها، وفى الوثائق البريطانية أن هذه الأميرة روت للسفير البريطانى هذه القصة برواية أخرى.
وعلاقة فاروق بالمغنية الفرنسية الجميلة آنى بيريه استمرت فترة طويلة وعندما انتهت هذه العلاقة انتقلت إلى رشدى أباظة.
ويتردد فى كتابات كثيرة أن الملك فاروق كان يعانى من خمول فى بعض الغدد أدت إلى الضعف الجنسى، ويستدل البعض من ذلك بأن حكايات نساء فاروق كانت (ضجيجا بلا طحن) أو كما قال كريم ثابت إن هذا الضعف أدى إلى شعور فاروق بمركب نقص بأنه أقصر من سائر الرجال باعا فى دنيا النساء وأضعف منهم فى مباشرة أحداثها وظروفه لا تمكنه من السيطرة على الموقف إلا نادرا وبعد جهد كبير.. ولكن هذا الوصف ولو أنه قد يكون صحيحا إلا أنه لم يصل إلى درجة تمنعه من الزواج مرتين وإنجاب عدد غير قليل من الأبناء، ولم تمنعه من إقامة علاقات مع عدد كبير جدا من السيدات ولا يمكن تصديق أن ذلك كان (للعرض فقط)، خاصة أنه حين عاش فى منفاه فى إيطاليا تعددت علاقاته النسائية حتى أنه كان مثار تعليقات الصحف الإيطالية لتعدد علاقاته النسائية ولعلاقته الخاصة جدا مع الفتاة الإيطالية الجميلة جدا (إيرما كابيتشى مينولوتو) التى كانت فى عمر ابنته فريال وكان يتردد معها على المطاعم والأندية وعلى ضيافة امراء أوروبا، وقالت بعد ذلك فى مذكراتها:(إنها لا تنفى تعدد علاقات فاروق النسائية على الرغم من الحب الكبير الذى ربط بينهما وإن من ترتبط بفاروق عليها أن ترتضى وجود شريكات لها، إذ لم تنجح أية امرأة فى إقناعه بالإقلاع عن النساء والقمار. وفى آخر لحظات حياته كان يرافق امرأة إيطالية (أنا ماريا جاتى) فى مطعم (إيل دى فرانس) فى روما وسقط بعد أن التهم كمية هائلة من الجمبرى ولحم الضأن والبطاطس والشطائر وأشعل سيجارا ثم سقط بعد أن احتقن وجهه وشعر بالاختناق.
***
تستخلص الدكتورة لطيفة محمد سالم أستاذ التاريخ الحديث أن المحيطين بفاروق من غبر المسئولين، وبخاصة الإيطاليين فى القصر وعلى رأسهم بوللى الذين قدموا فى البداية الإيطاليات، ثم تبعهن جنسيات أجنبية أخرى، وهناك الأميرة العجوز شويكار طليقة أبيه وحاول أخوها اغتياله، وهى أيضاً أم زوجة أحمد حسنين الذى (خطفته) الملكة نازلى من زوجته وأبنائه، ومن أجل ذلك أرادت الانتقام لنفسها فى شخص فاروق، كما أنها أرادت أن يكون قصرها محط الأنظار لتردد الملك عليه، ولذلك أقامت الحفلات والسهرات الصاخبة وأغرت فاروق على حضورها، وفى هذه الحفلات الأميرات والنبيلات اللاتى جذبنه إليهن، وهناك أيضاً الفنانات – وبخاصة الأجنبيات – اللاتى تقربن منه سعيا إلى الشهرة، ولحب فاروق للاقتناء واستلاب ممتلكات الغير دخلت المرأة المتزوجة تحت هذا البند، وكان استسلام النساء له مثل استسلام كبار رجال الدولة مما قوى لديه الإحساس بأن كل شىء مسخر له ورهن إرادته، كما أنه عندما توثقت علاقاته بالعسكريين الأمريكيين والبريطانيين، وكان يلتقى بهم مع زوجاتهم وصديقاتهن فى السهرات الخاصة والرحلات والحفلات العامة.. كل ذلك أتاح الفرصة أمامه لمزيد من الإغراءات، وبالإضافة إلى كل ذلك فإن أصحاب المصالح من الرأسماليين هيئوا له الأجواء المشجعة، وأدت الدور المهم فى هذا المجال (هيلين موصيرى) القوادة اليهودية وسيدة المجتمع الراقى والتى كانت مقربة منه.. وبعد طلاقه لفريدة انجرف فاروق بقوة مع تيار الهوى دون مراعاة لاعتبارات الدين والتقاليد، وكان يردد أن حياته الشخصية هى ملك له وحده، فلم يغب العنصر النسائى عنه حتى فى رحلاته داخل مصر وخارجها.. وأمام التردى الذى وصل إليه الملك رأى المحيطون به ممن يكنون له المعزة أن يحاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فألحوا عليه أن يتزوج لإعادة الاحترام والمكانة بعد أن فقدهما، ولكى يأتى بولى العهد.. وظن أن زواجه الثانى سيكون مثل زواجه الأول من فريدة الذى جعل الشعب يحبه ويحب الملكة وأصبح لقبه بعدها (جلالة الملك المحبوب).. ولكن زواجه الثانى لم يستقبله الشعب بالفرحة وكانت الوفود القليلة التى ذهبت إلى ميدان عابدين للتهنئة موضع دهشته حتى أنه حين أطل عليها من شرفة القصر قال لمن حوله: هو الميدان فاضى ليه؟
لم يدرك أنه فقد شعبيته بعد أن نخر الفساد فيه وفى قصره وفى نظام حكمه وصار (ملك النساء) كما كان الشباب يهتف فى المظاهرات!