تجديد الفكر الدينى
تكرر الحديث كثيرا عن ضرورة تجديد الخطاب الديني دون اتخاذ خطوة جادة لتجديد اساليب إعداد الذين يقومون بتوجيه الخطاب الديني للناس, ودون الوقوف عند ضرورة تجديد مناهج الازهر وتنقية كتب التراث القديمة مما فيها من افكار تتعارض مع جوهر الاسلام ومع طبيعة التطور.
ومن الغريب أن نكون في القرن الحادي والعشرين ونسمع علي المنابر من يطرح قضايا لا صلة لها بالحاضر او المستقبل, وتكرس الفكر الرجعي والجمود مثل: هل الديمقراطية تتعارض مع الاسلام؟ وهل الموسيقي حرام; وهل وضع غطاء من الذهب علي الاسنان حرام, وهل استخدام اليد اليسري حرام؟ وهل الاحتفال باعياد الميلاد حرام, وهل تنظيف الاسنان بالفرشاة والمعجون وليس بالسواك حرام؟ وهل حلق الشارب حرام؟
مثل هذه الاسئلة تعود الناس علي الانشغال بالمسائل الصغيرة وتبعدهم عن مناقشة وتفهم جوهر الاسلام, ومعني انه دين صالح لكل زمان ومكان بمعني انه صالح للعرب ولغيرهم من الشعوب التي لها عادات وتقاليد ولغات واساليب حياة مختلفة عن عادات وتقاليد العرب, فهل نخرج هؤلاء من دائرة المسلمين رغم أنهم يؤدون أركان الإسلام الاساسية؟
كذلك فان الخطاب الديني لايزال يردد ويعمق في نفوس الناس حديثا منسوبا لرسول صلي الله عليه وسلم يقول ان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, ويرتبون علي ذلك أن الاسلام يرفض كل جديد ويعتبره بدعة وضلالة, دون أن يفرقوا بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة كما جاء في الحديث: من استن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الي يوم القيامة, ومن استن في الاسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الي يوم القيامة ومعني ذلك أن الاسلام لا يصادر علي حرية التفكير وحرية الابداع والاختراع والاضافة والتجديد, كما أن الاسلام يحتمل الاختلاف في الفروع ما دام الجميع متفقين علي أصول الدين, وهذا ما فهمه المسلمون الاوائل ولذلك ظهرت مدارس الفقه المختلفة, واستقرت فكرة ان اختلاف الفقهاء رحمة بالمسلمين, ولكل مسلم أن يأخذ من كل مذهب أيسر مافيه ولا يتقيد بمذهب واحد بكل ما فيه, وباب الاجتهاد مفتوح الي يوم القيامة لكل من تتوافر فيه شروط الاجتهاد, لأن التطور يفرض مسائل وقضايا جديدة كل فترة تحتاج الي اعادة التفكير والتفسير والاجتهاد في البحث عن حكمة الاسلام فيها.
وما يتردد علي ألسنة القيادات الدينية عن التسامح وقبول الاختلاف في الرأي فيما لايتعارض مع أصول الدين, ومن القول بصلاحية الاسلام للتعامل مع الحضارة الحديثة ليأخذ منها ما يفيد ويترك ما يؤدي الي الضرر والضرار, ولكن علي منابر المساجد الصغيرة المنتشرة لايزال يتردد كثير من الافكار القديمة التي تجاوزها الزمن وكانت صالحة لمجتمع معين ولعصر معين, ونحن الآن في مجتمع وعصر مختلفين ونتعامل مع حقائق واوضاع وافكار وأدوات لم تكن موجودة في عصور السلف الصالح.
ولايمكن اعادة الزمن الي الوراء ليعيش المسلمون في عصر مضي وانقضي ويتركوا الحضارة والتقدم لغيرهم.
ثم ان ما يتردد علي كثير من المنابر من تحريض للشباب علي التشرد والتعصب, وترديد الادانة لكل ما في الحياة الحديثة. وعدم قيام المسجد بالدور الذي يجب ان يقوم به كمؤسسة اجتماعية ترعي شئون المسلمين ويتعاون فيه الناس علي حل مشاكلهم واعانة المحتاج منهم ورفع المستوي الثقافي والمادي لهم وفتح ابواب العمل والتعلم امامهم.. هذا الدور الاجتماعي للمسجد ولرجل الدين مازال غائبا. وهذا يحتاج الي تغيير مفهوم الداعية الي مفهوم الرعاية والخدمة والمساعدة, وهو ما يحتاج الي تغيير مناهج إعداد الدعاة لتزويدهم بمهارات القيادة والخدمة الاجتماعية.
القضية تتعلق بدور المسجد والمنبر ورجل الدين.. هل هو دور يسهم في البناء والتنمية والنهضة للفرد والمجتمع او لايسهم في ذلك؟. واعتقد أن المصارحة هي السبيل للاصلاح, والاستسلام لما هو قائم والعجز عن التغيير والاصلاح سيؤدي إلي تكريس التخلف, وهذا يتعارض مع جهود الدولة للتحديث والتطوير ومسايرة التفوق الحضاري الذي وصل اليه الآخرون.