النموذج الأمريكى لحقوق الإنسان

في الاحتفال بتقديم التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن دور أمريكا في دعم حقوق الانسان والديمقراطية في العالم‏,‏ قالت كوندوليزا رايس إن علاقات أمريكا بكل دولة سوف تتحدد علي أساس مدي احترامها لحقوق الانسان‏,‏ وأن نشر الديمقراطية وحقوق الانسان يمثل المسئولية الاخلاقية للولايات المتحدة وسوف تمارس من أجل ذلك الضغوط السياسية والاقتصادية والعقوبات‏.‏


وتزامن مع ذلك تفجر ثلاث فضائح مدوية في الولايات المتحدة أولاها عقب نشر تقرير عن مدي صحة الادلة التي استندت اليها الإدارة الأمريكية لغزو العراق وتوصلت اللجنة إلي أنها كانت ادلة ملفقة‏.‏


وقد رأي بعض المعلقين الأمريكيين أن هذه القضية سوف تكون أكبر من فضيحة ووتر جيت التي ادين فيها الرئيس نيكسون بالكذب واضطر للاستقالة‏,‏ وكانت اسوأ نهاية لتاريخه السياسي‏.‏


وكانت الفضيحة الثانية بعد نشر وثيقة موقعة من قائد القوات الأمريكية في العراق ظلت وزارة الدفاع ممتنعة عن الكشف عنها بحجة الامن القومي‏,‏


وحصل عليها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية باللجوء إلي قانون حرية المعلومات‏.‏ وتتضمن معاملة المسجونين العراقيين باستخدام الموسيقي الصاخبة التي تؤدي إلي الانهيار العصبي‏,‏ وتسليط الاضواء المبهرة عليهم‏,‏ وحرمانهم من النوم‏,‏


وافزاعهم باستخدام كلاب الجيش‏,‏ ووضعهم في درجة حرارة مرتفعة ثم في برودة شديدة‏.‏ مما يؤكد كذب التصريحات الرسمية بأن التعذيب تم دون علم أحد من كبار القادة‏.‏ ولذلك قرر الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية اقامة دعوي قضائية ضد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وقائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ريكاردو سانشيز الذي أصدر هذه اللائحة‏,‏ لمسئوليتهما المباشرة عن هذه الجرائم التي تنتهك بشكل واضح معاهدات جنيف‏.‏


وكان تعليق جماعات حقوق الانسان أن السلطة الأخلاقية التي تحدثت عنها كوندوليزا رايس لم يعد لها وجود بعد ممارسات أمريكا في جوانتانامو باحتجاز المعتقلين دون محاكمة‏,‏ وانتهاك حقوق المعتقلين في سجون العراق‏,‏ وارسال المشتبه فيهم إلي دول يتعرضون فيها للتعذيب‏,‏ وقالت منظمة العفو الدولية إن سلطة الولايات المتحدة لفرض الالتزام بحقوق الانسان علي الدول ـ كما قالت كوندوليزا رايس ـ لم يعد لها معني مع ممارسة أمريكا لانتهاكات ابشع لحقوق الانسان‏.


‏وقال المحلل السياسي الأمريكي بوب هيربرت إن إدارة بوش تحاول جاهدة دون ظهور القصة كاملة‏,‏ ولكن لم يعد هناك أدني شك في أن الذين اعتقلتهم القوات الأمريكية في العراق وافغانستان وغيرهما‏,‏ قد قتلوا‏,‏ أو عذبوا‏,‏ أو تم اذلالهم جنسيا‏,‏ واسيئت معاملتهم بطرق شاذة‏,‏ وهذه الانتهاكات تمت في مناخ يتصرف فيه رجال إدارة بوش وكأنهم فوق القانون‏,‏ وبالتالي فهم غير مسئولين أمام أي أحد أو اي جهة‏.‏ وفي عريضة الدعوي المقدمة إلي القضاء الأمريكي ما يشير إلي أن وزير الدفاع رامسفيلد هو بنفسه الذي أعطي تفويضا باتباع وسائل غير قانونية في الاستجوابات‏,‏وأنه تخلي عن مسئوليته في ايقاف التعذيب والانتهاكات التي كان رامسفيلد وغيره من كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية علي علم بها‏,‏ وليس من المنطقي أن يكون رامسفيلد وحده هو الذي لايعلم بهذه الوقائع علي الاقل بعد العدد الهائل من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات الأمريكية عنها‏,‏ فضلا عن التقارير الداخلية للحكومة الأمريكية وتقارير الصليب الاحمر‏.‏


أما الفضيحة الثالثة فقد تفجرت بعد إذاعة تقرير لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة الذي أكد مسئولية الغزو الأمريكي للعراق عن معاناة الشعب العراقي خصوصا الاطفال نتيجة سوء التغذية‏,‏ حتي إن‏25%‏ من هؤلاء الاطفال يعانون من سوء التغذية الحاد الذي يهدد حياتهم‏!‏ وإن عدد الاطفال دون الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية تضاعف منذ الغزو وأبدت اللجنة قلقها من عدم توافر الغذاء الكافي للعراقيين مما يهدد صحتهم‏.‏


فاذا اضفنا إلي ذلك رفض الولايات المتحدة التصديق علي اتفاقية انشاء المحكمة الجنائية الدولية بينما وقعت عليها‏98‏ دولة والغريب أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وقع علي هذه الاتفاقية ثم الغي الرئيس بوش هذا التوقيع لحماية القادة والجنود الأمريكيين من الخضوع للمحاكمة أمامها علي جرائم الحرب التي ارتكبوها ومازالوا يرتكبونها‏.‏


وبعد ذلك تقول كوندوليزا رايس إن علاقة أمريكا بكل دولة في العالم سوف تتحدد علي أساس التزامها بحقوق الانسان‏,‏ فهل فكرت فيما يحدث لو طبقت هذا المعيار علي أمريكا؟‏!

 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف