لماذا الآن؟
الترحيب الذي قوبلت به مبادرة الرئيس مبارك بتغيير نظام اختيار رئيس الجمهورية من الاستفتاء إلي الانتخاب المباشر من الشعب بين أكثر من مرشح.. هذا الترحيب في الداخل والخارج فاق التصور.
بعض المعلقين قالوا ان هذه ثورة الديمقراطية والبعض قال إنها علامة علي بزوغ فجر الديمقراطية في العالم العربي, والبعض اعتبرها نقطة تحول في مصر ستمتد تداعياتها بالضرورة لتشمل العالم العربي كله, والبعض قال إن مبارك أشعل شرارة التغيير ولن يستطيع أحد أن يطفئها في أي مكان, والبعض قال إنها حجر هائل القي في البحيرة العربية الراكدة أو هي حركة تحدد ما سيأتي بعدها خارج الحدود وفقا لنظرية الدومينو.
وأعتقد أن هذه التعبيرات التي وردت في الصحافة العالمية انما تعكس درجة الاحساس بمدي أهمية هذه الخطوة.. وأعتقد أنها فتحت الباب علي مصراعيه للاصلاح السياسي, والانفتاح الديمقراطي في البلاد العربية, وبالنسبة لمصر اعتقد انها جاءت في الوقت المناسب, لم تتأخر ولم تتقدم يوما واحدا عن موعدها.
قبل الثورة كان النظام السياسي قائما علي الملك والاحزاب وطبقة الرأسمالية والاقطاع الفاسدة التي ربطت مصالحها بوجود الاستعمار وبالتدخل الأجنبي في شئون ادارة البلاد, ولا داعي لتكرار الحديث عن احوال الشعب المصري الذي كان يعاني من الفقر والامية وانعدام الرعاية الصحية ومن الظلم الاجتماعي والسياسي وغياب الحريات المهم أن ثورة1952 قامت لتغيير هذه الاوضاع واعادة الحقوق للشعب وكل ثورة لها بالضرورة اعداء, هم الطبقة التي قامت عليها الثورة وتعمل علي اقتلاع نفوذها وطغيانها, وفي نفس الوقت فان من الطبيعي ان هذه القوي المعادية للثورة وللشعب والمرتبطة بالمصالح والقوي الأجنبية سوف تظل تعمل كل لحظة علي القضاء علي الثورة, هذا الصراع الحتمي بين ثورة قامت لتبني مصالح الشعب وبين قوي تتعارض مصالحها مع مصالح الشعب, من الطبيعي الا يكون في هذه الفترة نظام ديمقراطي بالمعني الكلاسيكي, لأن الاحتمالات الاقوي أن تستغل القوي المعادية للشعب الانتخابات للقفز مرة اخري الي الحكم واعادة الامور الي ما كانت عليه قبل الثورة, وهذا ماحدث فعلا في بعض الدول, والتاريخ يذكر تكرار هذه النكسة للثورات.. اذن مرحلة الثورة هي مرحلة استثنائية.. هي المرحلة التي أطلق عليها الشرعية الثورية.
بعد ذلك جاءت المرحلة الثانية وهي مرحلة الشرعية الدستورية بادخال اصلاحات دستورية وسياسية تبدأ الانفتاح الديمقراطي.. تمثلت في دستور1971 وتعديله في مايو1980, بانشاء الأحزاب, وتأكيد سلطة القضاء, والمحكمة الدستورية, وسلطة الصحافة, ثم مجموعة القوانين المكملة للدستور مثل قانون ضمان حرية المواطنين, وقانون الغاء موانع التقاضي وغيرها, وبالدستور الجديد والقوانين سارت مرحلة الاعداد للانفتاح الديمقراطي, وشهدت العديد من خطوات الاصلاح السياسي والتشريعي التي سارت جنبا الي جنب مع خطوات الاصلاح الاقتصادي, وجاءت هذه الخطوات محسوبة بدقة, وشملت الحسابات الظروف الدولية, والتطورات الاقليمية, ودرجة التطور الاجتماعي والاقتصادي, والسياسي, ومدي انتشار الوعي القومي والثقافة السياسية, لأن الديمقراطية ليست وصفة جاهزة يمكن استيرادها أو فرضها, وما يصلح لمجتمع قد لايصلح لمجتمع آخر لم يصل بعد الي درجة النضج والاستعداد لتقبل ما يفرض عليه, كذلك فان الديمقراطية كائن حي, بمعني انها تتطور وتنمو مع تطور ونمو كل مجتمع, ولايمكن زرع الديمقراطية في تربة ليست جاهزة بعد لتقبلها, كما لايمكن زرع عضو في جسم انسان لا يتوافق معه فيرفضه وقد تؤدي العملية الجراحية التي تبدو ناجحة الي موت المريض!
اليوم بعد كل الخطوات التي سارت فيها مصر علي طريق الاصلاح الاقتصادي والسياسي وصلنا الي مرحلة جديدة.. مرحلة وصل اليها المجتمع بطريق النمو والتطور الطبيعي بفعل عوامل داخلية وليس بفعل عوامل خارجية, وهذا ما يجعل كل خطوة نحو الديمقراطية تجد القبول والترحيب ـ في الداخل اولا وفي الخارج ثانيا ـ
الشعب المصري يعرف الآن طريقه.