حوار الأحزاب و أهدافه
لا يستطيع أحد أن يجادل حول أهمية الحـوار الذي بدأ بين الأحزاب, ومع الترحيب بهذا الحوار هناك ملاحظات أولية حوله:
اولا: إن شرعية وجود كل حزب ـ وفقا لقانون الاحزاب ـ قائمة علي انه مختلف عن غيره, وان له برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي, واهدافه السياسية ليست تكرارا لغيره من الاحزاب, فالاختلاف إذن شرط لانشاء الحزب ابتداء, وشرط لبقائه واستمراره بعد ذلك. وإذن فإن التوحد او التطابق غير مفترض, وإذا حدث فلا مناص من الاندماج في حزب واحد.
ثانيا: يترتب علي ذلك ان هدف الحوار ليس تغيير سياسات وبرامج الاحزاب ووصولها الي اتفاق كامل في الفكر والبرامج, وإلا فلن يكون هناك معني للتعددية السياسية, والهدف الاول للحوار اذن هو توضيح رؤية كل حزب للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي, وطرح تصوره للإصلاح, ويتحقق بذلك امر مهم هو تحديد الفوارق والاختلافات والتوصل في النهاية الي القضايا التي يتم الاتفاق عليها بين جميع الاحزاب او معظمها والقضايا التي تبقي موضع اختلاف, ويكون الحكم عليها للناخبين في صناديق الانتخاب.
ثالثا: ان الخلافات مهما يكن حجمها ومساحتها لا يمكن ان تكون خلافا علي كل القضايا, وإنما يجب ان تكون هناك اهداف وقيم ومبادئ يتفق عليها الجميع وهي التي تتعلق بالاستراتيجية العليا للبلاد, وبالأمن القومي, وبالمصالح العليا, وبالاطار العام للنظام السياسي والاقتصادي للبلاد, وبالقضايا الجوهرية التي لا خلاف عليها مثل: التنمية والاستقرار ومحاربة الارهاب بكل صوره وضرورة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي باعتباره عملية مستمرة ومتجددة تساير التجدد في الاوضاع الدولية والداخلية وليست عملية مؤقتة مرهونة بفترة من الزمان وتتوقف بعدها. مثل هذه المبادئ لا يمكن ان تكون لحزب دون حزب وإنما هي لكل الاحزاب ولا خلاف عليها وان كان من الممكن طبعا ان تختلف الطرق والوسائل والمناهج لتحقيق هذه الاستراتيجيات.
رابعا: ان اكبر انجاز يمكن تحقيقه هو ترسيخ مفهوم الحوار في المجتمع المصري, وارساء تقاليد الاتفاق علي ان الخلاف ليس معناه العداء او الكراهية او الانقسام او ان يدير كل طرف ظهره لمن يختلف معه, وليس مبررا لاستخدام اساليب قد تتنافي مع ادب الخلاف وما ينبغي ان يتحلي به رجال السياسة والصحافة والمفترض انهم قدوة وان لهم تأثيرا علي تشكيل الرأي العام وعلي سلوك الناس, الفكرة أذن هي ارساء تقاليد حضارية للعمل السياسي سوف تنعكس علي جميع جوانب الحياة وعلي العلاقات داخل المجتمع, علي ان تؤدي هذه التقاليد الي تعميق ثقافة الحوار, وهي ثقافة ايجابية تساعد علي تطوير الافكار والمواقف والسياسات وتحقق دائما مصلحة الوطن كبديل لثقافة المقاطعة والسلبية والغضب والعزوف عن المشاركة, وهكذا نقضي علي ثقافة الرأي الواحد والاجماع, والعمل بمبدأ من ليس معي مائة في المائة فهو عدوي. هذه القيم الايجابية هي جوهر العملية الحضارية التي تجري الآن, وهي التي ستؤدي الي التغيير الحقيقي والي نجاح عملية الاصلاح.
خامسا: إن الحوار يجري علي اساس احترام قواعد اللعبة الديمقراطية, وليس علي النقيض منها, ولا علي اساس هدمها, واهم هذه القواعد ان يكون للاقلية الحق في التعبير عن آرائها بحرية, دون تبادل الادانة أو الاتهام, وفي الوقت نفسه ليس للأقلية ان تفرض رأيها علي الاغلبية, فالأغلبية ـ في النظام الديمقراطي ـ هي صاحبة القرار بعد الاستماع الي آراء المعارضين, الاغلبية هي التي تحكم وليست الاقلية. ورأي الاقلية, ليس قرارا ولا المفروض ان يؤخذ به ولكن بالحوار يمكن التوصل الي حل وسط في كثير من الاحيان. واذا لم يؤخذ برأي الاقلية في مسألة او عدة مسائل فليس معني ذلك رفضا لها او تعنتا في التعامل معها, لأن القضايا الوطنية لا يجوز ان تكون موضع مجاملات أو تنازلات لمجرد ارضاء طرف من الاطراف.
وفي النهاية, فإن نجاح هذا الحوار سوف يكون شهادة نجاح للأحزاب جميعا وسيكون بداية جديدة تؤدي الي تقوية الحياة السياسية في مصر.