خطوة إلى الأمام
أثبتت المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية أن الحياة السياسية في مصر انتقلت الي مرحلة جديدة, وأن الانتخابات الرئاسية التعددية كانت البداية, وأن عجلة الديمقراطية دارت ولن يستطيع أن يوقفها أحد.
ولم يحدث أن شهدت مصر مثل هذه الحيوية الفكرية والسياسية التي تشهدها في هذه المرحلة, كما لم يحدث أن وجدت جميع الفصائل والتيارات مثل هذه الفرصة لتطلق لنفسها العنان دون مخاوف أو محاذير, ومهما قيل عن سلبياتها فهي دون أدني شك خطوة مهمة الي الأمام سوف تتلوها بالقطع خطوات وخطوات.
وما تحقق من تقدم في مجال الديمقراطية والحريات العامة وحرية الصحافة بوجه خاص, أدي الي مانراه من التعدد في الآراء والاجتهادات, ومن الجرأة واطلاق الألسنة والاقلام وازالة المحاذير في الاعلام عموما, حتي في الصحافة القومية.
ومن العلامات ذات الدلالة علي طبيعة هذه المرحلة أن الاخوان المسلمين الذين اعتادوا الشكوي من الاضطهاد والتهميش والمطاردة انفتحت أمامهم الأبواب للمشاركة في هذه الانتخابات بمرشحيهم ودعاياتهم وشعاراتهم وحصلوا في المرحلة الأولي علي عدد من المقاعد يفوق ماكانوا يطمحون اليه, ووجد مرشد الاخوان الفرصة ليعلن استعداده للتحالف في البرلمان مع الحزب الوطني أو مع جبهة المعارضة ضد الحزب الوطني,
كما جاء في حديثه الأخير لصحيفة المصري اليوم, مما يدل علي موقف براجماتي لم يعد متمسكا بالايديولوجية الدوجماتية القديمة, وتسعي به الجماعة الي مايحقق مكسبا سياسيا بصرف النظر عن المبادئ.
وليس جديدا ما تعلنه أحزاب المعارضة عن التزوير والرشاوي والبلطجة. وقد حدث من ذلك مالا يمكن انكاره واعترف به الأمين العام للحزب الوطني, وأعلن تضرر الحزب الوطني أيضا من هذه الانحرافات, كما اشار إلي ان الجميع شاركوا فيها ولم ينفرد بهذه التجاوزات حزب أو مرشح بعينه, وعموما فإن المخاوف والمحاذير من هذه التجاوزات كانت موجودة قبل الانتخابات ولكن يبدو أن أحدا لا يستطيع منعها وأن مرتكبيها أقوي من كل محاولة لذلك.
وهذا ما حدث في كل انتخابات سابقة وكأنها نوع من المرض المزمن لن يكون علاجه عن طريق الحكومة وحدها ولكن لابد أن تشارك في العلاج جميع الأحزاب ومؤسسات الاعلام والدعوة والتربية.
لكن ذلك كله لا يكفي للتغطية علي قصور أداء أحزاب المعارضة, وعجزها عن التجدد وتقديم افكار ومرشحين وكوادر تناسب الدعوة الي التغيير التي تطالب بها غيرها ولا تبدأ بنفسها, وكان المفروض أن تبدأ هذه الاحزاب بعد فشلها في انتخابات الرئاسة عملية شاملة للنقد الذاتي واعادة البناء ووضع استراتيجيات جديدة للتفاعل مع الناس واقناعهم بجدوي تأييدهم لها. والعمل الحزبي ليس مؤتمرات وميكروفونات وصحفا مليئة بالشتائم وحملات التشويه,
ولكنه وجود مع الناس, ووضع برامج لحل مشاكلهم, ومساهمة جادة ومستمرة في التربية السياسية للاجيال الجديدة المحرومة من هذه التربية, وجهد يومي للارتفاع بالوعي السياسي للمواطنين وجذبهم للعمل الحزبي.
ليس جديدا ما يردده من كان نصيبهم السقوط في الانتخابات من شكوك واتهامات, ولكن الجديد هو اعتراف مرشد الاخوان المسلمين ـ في نفس الحديث الصحفي ـ بأن التجاوزات التي حدثت في المرحلة الأولي( في الجولة الأولي وجولة الاعادة) كانت تجاوزات فردية مما يحدث في كل انتخابات, وأنه لم ير تجاوزات كبيرة, وتوجيهه الشكر الي أجهزة الأمن لأنها لم تتدخل في هذه الانتخابات كما كان يحدث في الماضي,
وإن كان قد رأي عدم حياد بعض القضاة علي حد قوله, وتأكيده ـ في نفس الوقت ـ أن الرئيس مبارك لا يرضي بأي حال من الأحوال بتزوير الانتخابات.
هكذا نلاحظ اختلاف المواقف.. من خسر سارع بتوجيه الاتهامات دون حساب.. ومن غنم أشاد بحرية وشفافية الانتخابات.. وهذه طبيعة البشر!
وتبقي قضية التربية السياسية هي الأكثر أهمية والحاحا في ضوء الظواهر السلبية التي ظهرت, لأن المسألة ببساطة أن الديمقراطية لا يحققها إلا الديمقراطيون.