امتحان آخر للديمقراطية
أمامنا امتحان آخر إذا نجحنا فيه نكون قد حققنا تقدما كبيرا علي طريق الديمقراطية الحقيقية والإصلاح الشامل.
كان الامتحان الأول هو انتخاب رئيس الجمهورية انتخابا مباشرا من بين عشرة مرشحين, وقد اجتزناه بنجاح. أما الامتحان الثاني فهو انتخاب أعضاء مجلس الشعب الجديد بعد أسابيع معدودة, وهو امتحان صعب, لأن هذا المجلس هو أول برلمان للتعامل مع القرن الحادي والعشرين وما يحمله لنا من تحديات وضغوط وآمال.. وهو المجلس الذي سيعد أو سيشارك في إعداد تعديلات الدستور, والتشريعات الجديدة التي ترسخ مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان وتزيل آثار العدوان علي الحريات.
ونجاحنا في هذا الامتحان مرهون بشرطين. الشرط الأول أن نحسن الاختيار, وأن يدرك كل مواطن أن صوته له قيمة, وأنه هو الذي يحدد نوعية مجلس الشعب المقبل, فإذا جاء مجلسا معبرا تعبيرا حقيقيا وصادقا عن الشعب المصري وممثلا لإرادته, ومؤهلا للقيام بمسئولياته التشريعية والرقابية كاملة, وقادرا علي محاربة الفساد دون أن يخشي في الحق شيئا.. ومدركا لأهمية الممارسة البرلمانية في إرساء مفهوم دولة المؤسسات والرقابة الواعية علي أداء الحكومة, ومناقشة التشريعات بجدية ورفض أن يكون دوره مجرد الموافقة وتمرير القوانين التي تريدها الحكومة.. إذا توافر ذلك في أعضاء المجلس الجديد نكون قد قدمنا الدليل علي أننا شعب جدير بالديمقراطية ومؤهل لممارستها علي عكس ما ردده الذين حكموا علي هذا الشعب بأنه لم يصل بعد إلي درجة الوعي والنضج التي تؤهله للوصول إليها.
الشرط الثاني: أن تجد الأحزاب والقوي السياسية فرصة متكافئة في هذه الانتخابات للوصول إلي الناخبين والحصول علي نصيب عادل من المقاعد في المجلس الجديد لكي يكون في المجلس صوت واحد, ينفرد بتقرير مصير البلد وقد انتهي عصر الأحادية في القرار ووصلنا إلي مرحلة التعددية وقبول الاختلاف دون أن يعتبر الاختلاف في الفكر والسياسة خيانة أو خروجا عن الملة. ولكي يكون مجلس الشعب الجديد ممثلا تمثيلا حقيقيا للشعب المصري يجب أن تمثل فيه الأطياف السياسية المختلفة ويكون للمرأة فيه حضور واضح حتي ينتهي عصر الحرمان السياسي.
ويتوقف نجاح البرلمان ونجاح الحكومة أيضا علي وجود معارضة قوية تحول دون احتكار السلطة, وترشد القرار.
إذا تحقق هذان الشرطان فسوف يستعيد المجلس مصداقيته وثقة المواطنين فيه, وتعود إليه الروح, وتشهد الحياة السياسية ممارسة برلمانية صحية وصحيحة. وتدب الحياة في الأحزاب, وسوف تجد الحكومة هذا البرلمان شريكا يساعدها علي تحسين صناعة القوانين التي ساءت في الفترات الأخيرة, وبالمراقبة والمحاسبة الجادة يمكن معالجة حالة التسيب والفساد في الجهاز الإداري.
والمسئولية عن النجاح في هذا الامتحان تقع علي المواطنين أولا, وعلي الحزب الوطني ثانيا, فهو حزب الأغلبية قياسا علي الانتخابات السابقة وآخرها الانتخابات الرئاسية, وعليه ألا يكرر اختيار نواب منحرفين من أمثال الأعضاء الذين اضطرت المجالس السابقة إلي إسقاط العضوية عنهم, وألا يضيق الخناق علي الأحزاب الأخري, ويتفادي تأثير المال.. والا يفرض الوجوه المكروهة شعبيا.. إذا فعل ذلك نكون قد حققنا الكثير لتحسين الأوضاع وتصحيح المسار, وبذلك فقط يمكن أن يشعر المواطن بأن البلد بلده ويتحول من السلبية إلي الإيجابية, ومن موقف المتفرج إلي موقف المشارك..أما الأحزاب الأخري فهي في أشد الحاجة إلي الرعاية والتشجيع لكي يشتد عودها, وهذه مسئوليتنا جميعا.