حياد أم نفاق سياسى
قبل بدء الحملة لانتخابات الرئاسة تم الاعلان عن حياد وسائل الإعلام المملوكة للحكومة( التليفزيون وقصور الثقافة وهيئة الاستعلامات) والتزام الصحافة القومية بمراعاة التوازن في تغطية نشاط المرشحين, أما الصحافة الحزبية والتليفزيون المملوك للقطاع الخاص فإن لهما الحق في الرعاية والترويج والانحياز لمرشح معين وليس عليهما قيد سوي القيد الأخلاقي والقانوني والحرص علي المصلحة العامة وأن تكون المنافسة شريفة.
وهذا الاطار يعكس رغبة جادة في افساح المجال للتعددية, وانهاء احتكار حزب واحد لكل المنابر الإعلامية. وقد التزمت الاحزاب ووسائل الاعلام بهذه المباديء, بما لايدع مجالا للمشككين, كما التزم الوزراء والمحافظون, والموظفون العموميون بالحظر المفروض عليهم بالقانون ولم ـ ولن ـ يتدخلوا بأية صورة مع أو ضد أي من المرشحين والضمان للاستمرار في هذا الموقف هو مراقبة اللجنة العليا للانتخابات وسلطتها في المحاسبة وفقا للقانون.
فالمناخ السائد في هذه المنافسة الانتخابية يشير بوضوح الي أننا أمام معركة انتخابية حرة, مما أدي الي تشجيع الشرائح التي كانت عازفة عن المشاركة كما نري في الاعلام ومؤتمرات المرشحين. ولابد ان نسجل للحكومة وللحزب الوطني حرصهما الشديد علي الفصل بين صفة الرئيس وصفته كمرشح للرئاسة, وكذلك حرص التليفزيون الحكومي علي اعطاء مساحات متساوية محسوبة بالدقيقة للمرشحين. وفي النهاية فإن الضمانات لنزاهة الانتخابات مكفولة بالقانون وبالسلطة المطلقة للجنة العليا للانتخابات وهي تمثل قمة الاستقلال والنزاهة وتتمتع بالحصانة الكاملة في مواجهة جميع السلطات.
بذلك نطمئن الي أن شرعية الحكم سوف تكون قائمة علي الاختيار الحر بانتخابات حرة تؤكد السيادة للشعب, ولذلك نري لأول مرة مرشحين للرئاسة يعدون حملات مدروسة ومنظمة للدعاية السياسية, ويقومون بنشاط لم نشهده من قبل للالتقاء بالجماهير, وطرح برامجهم وأفكارهم, وهذه ظواهر جديدة علي المجتمع المصري ستكون لها نتائج كبيرة في تحريك السكون في الساحة السياسية, وإخراج الأغلبية الصامتة من حالة السلبية الي الاهتمام والمشاركة, وسوف تؤدي ايضا الي تحديد الحجم الحقيقي لكل حزب من خلال الاحتكاك والتفاعل مع الناس,
واكثر من ذلك سوف تتمخض هذه الانتخابات عن تغيير كبير في الحياة السياسية والحزبية. سوف تختفي أحزاب بعد أن يتأكد أنها فقدت الصلاحية للبقاء, وتنشأ أحزاب جديدة تظهر الحاجة اليها في ضوء سير هذه المعركة ونتائجها, وسوف تكتسب أحزاب أخري درجات متفاوتة من الصلابة والقوة وتتبلور فلسفتها وبرامجها وتخرج من الحالة الهلامية التي كانت عليها. وسوف تنتهي الشكوي من السلبية والنفاق السياسي لأن المواقف ستكون محددة وواضحة, كما ستنتهي الشكوي من تدخل أجهزة الدولة وسطوة حزب واحد.
المشكلة الآن في موقف بعض المثقفين, يبدو أنهم اختاروا موقف الانتظار الي أن تظهر النتيجة ليركبوا العربة الفائزة, وذلك بحجة الالتزام بموقف الحياد, وهذه حجة باطلة.. لأن الحياد مطلوب من أجهزة الدولة ومرفوض من الأفراد. فكل مواطن عليه واجب المشاركة في الاختيار والادلاء بصوته واعلان رأيه وموقفه, والحياد في هذه المناسبة التي تحدد مسيرة البلد هو النفاق السياسي بعينه وهو أعلي درجات الانتهازية.
وإن كان الواجب الوطني يفرض علي المواطن البسيط أن يحدد موقفه في هذه اللحظة التاريخية التي تمثل أهم وأخطر لحظات الاختيار.. فهي اللحظة التي تحدد صورة المستقبل والطريق الذي ستسير فيه البلاد وسط الألغام المحيطة والضغوط المتزايدة والمخاطر المنظورة والخفية.. في هذه الظروف الدقيقة لايمكن قبول موقف الحياد, او التردد, أو السلبية, او الانتهازية, او النفاق ولابد أن نقول للمثقف اللولبي, والمثقف الذي يريد أن يركب في عربتين في وقت واحد.. كل هذا انتهي.. وإن كان صالحا في زمن فقد مضي هذا الزمن.. فهذا وقت الاختيار..
حدد موقفك.. قل كلمتك.. قم بالدور الذي يليق بالمثقف الحقيقي, وهو أن يكون رائدا وقائدا وقدوة.. وكل مثقف ـ بل كل انسان ـ يكتب تاريخه, خصوصا في اللحظات الفاصلة في تاريخ الشعوب.