المقاومة الشعبية للإرهاب

عندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي في عام‏1956‏ كنت قد انهيت المرحلة الثانوية وبدأت الدراسة بجامعة الإسكندرية‏,‏ وأذكر أني فور سماعي نبأ العدوان من الإذاعة انطلقت فورا إلي مركز تدريب المقاومة الشعبية‏,‏ وكنت أظن أني أول من سيصل اليه‏,‏ ولكني فوجئت بطابور طويل سبقني ـ لا أعرف كيف ـ وفيه الفتيات والشيوخ مع الشبان‏,‏ وظل الطابور يتزايد حتي ضاق مركز التدريب بالمتطوعين‏,‏ واضطر القائد إلي تقسيمهم إلي مجموعات علي مدار الساعة‏.‏


هذا المشهد تكرر في كل المدن والمراكز والقري‏,‏ فكان أكبر العوامل لرفع الروح المعنوية وتعبئة الشعور الوطني‏,‏ وسجلت مدن القناة أروع ملاحم البطولة من المقاومة الشعبية‏,‏ وهذه الوقفة الجماعية كانت سياج الحماية الحقيقي للبلاد‏,‏ فلم يظهر طابور خامس‏,‏ ولم يجرؤ أحد علي تبرير وجود الاحتلال‏,‏ ولم يتبدد الجهد في مزايدات أو خلافات أو تبادل اتهامات‏,‏ وظهرت مصر أمام العالم شعبا واحدا‏,‏ وصوتا واحدا‏,‏ وكلمة واحدة‏,‏ ولم يشذ مصري واحد عن الاجماع‏.‏


هذه الوقفة الشعبية تكررت مع كل عدوان وكل أزمة تعرضت لها مصر‏.‏ وقد انتهت قصص العدوان العسكري ولكن مازلنا نتعرض للعدوان من الخارج والداخل في صورة جديدة أصبحت هي صورة الحروب الحديثة‏.‏ وهي حروب غير معلنة‏,‏ والعدو فيها يستخدم أساليب عصابات الجريمة المنظمة‏,‏ فهو عدو خفي‏,‏ يتربص‏,‏ وينتهز فرصته ليضرب ضربته‏,‏ ولم يعد هناك أدني شك في أن عمليات الأرهاب هي عمليات ضد الشعب المصري ومصادر رزق المصريين‏,‏ ولا يمكن أن تكون هناك شريعة أو أخلاق تبرر القتل العشوائي للناس الآمنين‏,‏ وشريعة الإسلام تقرر أن من يقتل نفسا بريئة آمنة فكأنما قتل الناس جميعا‏.‏


وبعد جريمة الإرهاب في شرم الشيخ من الطبيعي تشديد الاجراءات لتأمين كل شبر في البلاد ـ وليس شرم الشيخ وحدها ـ ومن الضروري تطوير وسائل الحماية باستخدام التكنولوجيا الحديثة لإحكام الرقابة واستباق الإرهابيين وكشف أوكارهم وتحركاتهم‏,‏ ولكن تبقي الرقابة الشعبية هي الضمان الأول لحماية المجتمع من الإرهاب‏,‏ وكما نجحنا في كل عدوان في حشد المواطنين علي خط المواجهة مع المعتدي فإن ذلك هو الطريق الأمثل للمواجهة مع الإرهاب‏,‏ فليس بالشرطة وحدها يتحقق الأمن ولكن بتضامن جميع المواطنين ـ دون استثناء ـ ووقفتهم القوية التي تتجاوز الخلافات السياسية والدينية والاجتماعية‏,‏ فأمام الخطر الذي يهدد الناس جميعا لابد أن يكون الجميع في خندق واحد‏.‏


لذلك كان من الضروري أن تتجمع الأحزاب كما فعلت أخيرا وقررت أن تعمل معا لمحاربة الارهاب علي جميع الجبهات السياسية والفكرية والدينية‏,‏ وإن كانت هذه الوقفة قد تأخرت سنوات طويلة‏,‏ ولكن البدء متأخرا أفضل من غياب العمل السياسي الجماعي في جبهة تضم كل الأحزاب والجمعيات والهيئات‏.‏ وكذلك جاءت مسيرة رجال الدين الاسلامي والمسيحي مع المثقفين والعاملين في شرم الشيخ الذين اضيروا في أرزاقهم‏,‏ اعلانا قويا عن الرفض والتحدي من جموع الشعب لهذه الجرائم غير الانسانية‏,‏ وصاحب ذلك الدعوة للمشاركة الشعبية للتبرع لإصلاح ما أفسده المفسدون‏.‏


إن الارهاب لن يتم القضاء عليه بوسائل الأمن وحدها‏,‏ وسوف ينتهز فرصة استرخاء‏,‏ وهذا مايؤكد أن المواجهة لا يمكن أن تكون مسئولية أجهزة الأمن وحدها‏,‏ وأنها مسئولية المجتمع كله‏,‏ ولابد أن يشعر كل مواطن أنه رجل أمن‏,‏ وأنه مسئول عن أمنه الشخصي‏,‏ وأمن البلد‏,‏ ويظل مفتوح العينين لينبه إلي أية اشارة تثير ريبته‏.‏ وبذلك يكون الحشد الشعبي هو القوة الأكبر للردع والحماية‏..‏ ويجب ألا نغفل مسئولية الأسرة‏,‏ فكل ارهابي عاش في أسرة لاحظت التغير في افكاره وسلوكه‏,‏


وسكوتها واستسلامها يعجل بالانجراف إلي طريق الجريمة‏,‏ وبعد ذلك تبكي الأسرة فقدان ابنها بعد أن يكون قد تحول إلي اشلاء وقتل عشرات بلا ذنب ولا جريرة‏,‏ ثم تتبرأ الأسرة من هذا الابن الضال‏..‏ ولو تنبهت كل أسرة وتعاملت بمسئولية وحزم لإنقاذ ابنها في الوقت المناسب لكان ذلك خيرا لها وله وللبلد وللاسلام الذي تشوهه هذه الجرائم‏.


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف