أمريكا و حقوق الإنسان
لم يعد المثقفون والسياسيون الأمريكيون قادرين علي الصمت علي التعذيب في السجون الأمريكية في العراق, وافغانستان, وجوانتانامو, وفي أمريكا ذاتها, ولم تعد منظمات حقوق الإنسان قادرة علي تجاهل هذه الممارسات التي شبهها( تقرير أخير) بأنه شبيه بما كان يحدث في سجون الاتحاد السوفيتي.
وقد كتب الرئيس الاسبق جيمي كارتر يستنكر عمليات الاعتقال دون اعلان أسباب الاعتقال, أو السماح للمعتقلين بمقابلة المحامين أو أقاربهم, وطالب كارتر باغلاق معتقل جوانتانامو لأنه أساء إلي صورة أمريكا في العالم بحيث لم تعد لها مصداقية حين تدعو الدول إلي احترام حقوق الإنسان أو الالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية,
وكذلك كتب الرئيس السابق بيل كلينتون معبرا عن القلق من استمرار القانون الذي يعطي السلطات الأمريكية الحق في التنصت علي المكالمات التليفونية, ومراقبة الاشخاص, والتجسس, والاطلاع علي الحسابات الشخصية في البنوك وانتهاك الخصوصية والحريات التي كانت الاساس الذي قام عليه المجتمع الأمريكي, وكانت أمريكا تباهي دول العالم بأنها وطن الحرية الفردية, وطالب هو الآخر باغلاق سجن جوانتانامو حفاظا علي البقية الباقية من سمعة أمريكا في العالم.
ومنذ أيام خصصت صحيفة هيرالد تريبيون افتتاحيتها لنقد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد لأنه قرراغلاق ملف تعذيب السجناء دون محاسبة المسئولين عنها, ونشرت صحيفة نيويورك تايمز أن رامسفيلد يري أن فضائح سجن أبو غريب وغيره قد أصبحت في طي النسيان إلي حد أنه يعتزم ترقية ريكاردو سانشيز الذي كان قائدا للقوات الأمريكية في العراق, وتمت عمليات التعذيب بتعليمات منه, وقالت هيرالد تريبيون أن ترقية سانشيز لن تكون شيئا غريبا لأنه سبق أن كوفئ كل الذين وضعوا القوانين والسياسات للاعتقال غير القانوني داخل وخارج أمريكا واباحة تعذيب المعتقلين وقتلهم علي يد القوات الأمريكية, وقد تم اختيار اثنين من هؤلاء قضاة في المحكمة العليا الفيدرالية, والثالث نائبا عاما, ومازال رامسفيلد في منصبه.
ويقال في تبرير عدم التزام قائد القوات الأمريكية ــ سانشيز ــ باتفاقيات جنيف الخاصة بمعاملة الاسري بمبادئ حقوق الإنسان التي تسعي أمريكا الي فرضها علي الدول, بأنه كان يعمل تحت ضغط الظروف التي وجد نفسه فيها فقد كانت المقاومة شرسة, وكانت القوات الأمريكية غير كافية,
وظلت الإدارة الأمريكية في حالة المكابرة والعناد والإصرار علي كسب شعبية امام الرأي العام بادعاء أن الحرب انتهت, وهذا ما جعل سانشيز يأمر جنوده باستخدام أقصي درجات القسوة في استجواب السجناء علي أمل الحصول منهم علي معلومات لكن معظم المسجونين لم تكن لديهم معلومات, ولم تكن لهم صلة بالمقاومة, ومع ذلك استمر الجنود الأمريكيون والمحققون في اساءة معاملة المسجونين بحرمانهم من النوم, واطلاق الكلاب الشرسة عليهم, وفرض أوضاع مؤلمة نفسيا وجسديا, وبعد افتضاح الأمر أجري تحقيق انتهي إلي لا شئ, ومع ذلك فإن سانشيز لن يكون الوحيد الذي يكافأ علي الفشل كما قالت هيرالد تريبيون.
وحين نشرت تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان عن انتهاكات حقوق الإنسان في السجون الأمريكية أعلن رامسفيلد أنه لا يهتم بهذه التقارير, وكذلك لم يهتم رامسفيلد بالنقد الذي وجهه اليه السناتور الجمهوري ليندرس جراهام وهو أشد المؤيدين لسياسة الحرب, ومع ذلك قال في جلسة الاستماع في الكونجرس, ان الرئيس بوش يخسر تأييد الرأي العام بسبب ما جري ويجري في العراق.
وقد ازداد استياء الرأي العام الأمريكي بعد صدور كتاب داخل الاسلاك الشائكة وفيه شهادات الرقيب إريك سار الذي عمل مترجما في سجن جوانتانامو ووصف الممارسات الجنسية علي المسجونين وقال إن ما رآه غير نظرته إلي بلاده, وأن محاولات الانتحار( أكثر) بكثير مما اعلنته الحكومة وإن من بين600 سجين20 فقط يمكن اتهامهم بأنهم متشددون أو يحتمل أن يكونوا ارهابيين أما الباقية فلا صلة لهم بالإرهاب, وقال ايضا إن الادارة الأمريكية جعلت الحدود غير واضحة بين الحق والباطل. وهذه هي حقوق الإنسان في أمريكا, تفرضها أمريكا علي الدول ولا تفرضها علي نفسها!