من العدو ومن الصديق؟
في منتصف القرن التاسع عشر أعلن وزير خارجية بريطانيا اللورد بالمرستون: في سياستنا ليس لنا حلفاء دائمون أو أعداء دائمون ولكن لنا مصالح دائمة. ومنذ ذلك الحين صار ذلك المبدأ هو الأساس في العلاقات الدولية.
ومادام هذا هو المبدأ الذي يحكم سياسات الدول دون استثناء فإن واجبنا ان نحدد في كل مرحلة من هو الصديق ومن هو العدو في هذه المرحلة, فقد تدعونا المصلحة الي اعتبار عدو الأمس صديق اليوم أو العكس. وإذا لم نفعل نحن ذلك بدافع الشهامة والاخلاق العربية التي تعتبر التراجع عن الصداقة نوعا من الخيانة, وتعتبر الاقتراب من العدو نوعا من التخاذل والضعف, إذا لم نفعل ذلك ونعيد تقييم علاقاتنا مع الاخرين بين الحين والحين فإن الآخرين يفعلون ذلك معنا, وربما ندري أو لاندري فانهم يصنفون علاقتهم معنا تارة في خانة الصديق وتارة أخري في خانة العدو, دون ان يعلنوا ذلك غالبا, ولكن المواقف تدل دلالة واضحة وفقا لمصالحهم وليس وفقا لمصالحنا.
ومن السذاجة السياسية ان نتصور ان الآخر يمكن ان يفكر لنا لتحقيق مصالحنا, ولابد ان ندرك أن كل آخر إنما يفكر لنفسه أولا واخيرا, ولتحقيق مصالحه بالدرجة الأولي, فإن اتفقت مصالحه مع مصالحنا سرنا في طريق واحد, وان اختلفت المصالح سار كل في طريق, وربما يحدث تعارض, أو حتي تصادم بسبب اختلافات المصالح.
وليس في ذلك شيء غريب, فالولايات المتحدة اختلفت مع أقرب حلفائها في أوروبا خاصة ألمانيا وفرنسا عندما كانت مصالح أمريكا تنفرد بوضع السياسات واتخاذ القرار والذهاب الي الحرب لبناء عالم جديد تفرض نفسها فيه القوة الوحيدة المسيطرة عليه دون شركاء, ويمكن ان يكون الشركاء تابعين ويقبلوا مقاعد في الدرجة الثانية! هذا ما حدث في الحرب الأمريكية في افغانستان والعراق, وهناك قضايا اخري عديدة يشتد فيها الخلاف بين الجانبين ليس آخرها الخلاف حول تهديدات امريكا لكوريا الشمالية, ومعارضتها بيع الدول الأوروبية ـ وحتي إسرائيل ـ أسلحة متقدمة الي الصين, وليس بعيدا عن ذلك ما يتكشف من عمليات تجسس لصالح اسرائيل في أكثر المواقع حساسية في الولايات المتحدة رغم ما بينهما من علاقة تلاحم استراتيجي تتجاوز حدود الصداقة والتعاون والتحالف وكل أشكال العلاقات الايجابية في العالم.
ويكفي ان نستعيد ما أعلنه الرئيس بوش يوما من ليس معنا فهو ضدنا, والادارة الأمريكية لديها تصنيف للدول التي تؤيد سياساتها علي طول الخط, والدول التي تحاول اتخاذ موقف محايد أو متحفظ أو تفكر في الوقوف في المنتصف.
وهناك دعوات من مفكرين أمريكيين, وخاصة من مؤسسة راند لإعادة تصنيف الدول علي أساس جديد بدلا من التقسيم الحاسم الي اصدقاء وخصوم, بأن تكون هناك درجات بين الضدين ومعروف ان مؤسسة راند من أهم مؤسسات الفكر المؤثرة في صناعة القرار الأمريكي.
وبالنسبة لنا فإننا يجب الا نتخلف عن القيام بما تقوم به دول العالم, ونحدد أولويات مصالحنا وعلي اساسها نحدد الصديق الذي يساعدنا علي تحقيقها, والعدو الذي يقف ضد مصالحنا, والحلفاء الآخرين بحسب المسافة التي يتخذونها من الاقتراب أو الابتعاد عن مساعدتنا لتحقيق اهدافنا مثل: الأمن القومي, والاستقرار, واستقلال الإرادة الوطنية, والتنمية والمشاركة في اقامة مشروعات انتاجية, والمساعدة بجدية علي حل الأزمة الفلسطينية علي أساس إقامة دولتين, واتخاذ خطوات للسير نحو هذا الهدف, ووقف عمليات التحريض المباشر وغير المباشر, والحفاظ علي النظام العربي وعدم اعاقة التعاون والتكامل بين الدول العربية, التي تجعل هذا الهدف الاستراتيجي طوق النجاة للجميع.
ولكي نقوم بهذا التصنيف فإن هذا يستلزم أولا ان تشارك فيه مراكز التفكير وصناعة الوعي, وان تقام اكثر من مائدة مستديرة تضم الاطراف العربية لتعيد الشارد منها الي القطيع قبل ان تتكرر مرة أخري قصة الثور الأحمر والثور الأبيض, وقد أكلهما الذئب فرادي الواحد بعد الآخر... وهي قصة يتعلمها الاطفال, ومع ذلك فإن العبرة فيها تلهم الكبار.