الاستعمار هو الاستعمار
كثير من شباب هذا الجيل لا يعرفون تفاصيل قصة الاستعمار الاجنبي في مصر والعالم العربي, وما فعلته جيوش نابليون وجيوش الانجليز بشعبنا. ولا يعرفون فلسفة المستعمرين ونظرتهم إلي الشعوب العربية والإسلامية.
وقد خضعت جميع الدول العربية والإسلامية للاستعمار, ومازالت حتي اليوم مهددة بعودة الاستعمار بصورة أو بأخري, وبعضها وقع فعلا تحت الاحتلال, وسواء كان الاستعمار بالجيوش, أو بالعملاء, أو بالنفوذ, أو بالفكر, فإن الاستعمار هو الاستعمار في جوهره مهما اختلفت صوره وأشكاله.
وكثير من شبابنا لا يعرفون اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني, ممثل الاحتلال, الذي كان الحاكم الفعلي لمصر منذ بدء الاحتلال عام1882 حتي انتهت خدمته عام1907. وقد سجل تجربته في حكم مصر ـ رغم وجود حكام مصريين اسما ـ في كتاب من جزءين بعنوان مصر الحديثة وصف فيه المصريين والعرب والمسلمين بأحط الأوصاف, مما يدل علي أنه كان يبدي لهم الود في الظاهر ويحمل لهم في داخله الاحتقار, وبنظرته الاستعمارية قال في كتابه: إن العقل الشرقي قاصر لا يعرف الدقة, ولا يري الواقع كما هو, ويستهويه العيش في الأوهام والأساطير, بينما الإنسان الأوروبي ذو عقلية دقيقة علمية, واقعية تدرك الحقيقة دون التباس. والغربي منطقي بطبعه حتي ولو لم يدرس علم المنطق,
وهو لا يبدأ بالتسليم واليقين دون مناقشة مثل الإنسان الشرقي, ولكنه دائما يبدأ بالشك, ويطلب الدليل والبرهان لكي يصدق وهو يتقبل الحقيقة مهما تكن, وسواء كانت تتفق أو تختلف مع اهوائه.. وعقل الانسان الغربي منظم, بينما عقل الإنسان الشرقي عشوائي ومشوش يفتقر إلي النظام, ولديه استعداد لتقبل الأمور التي تتعارض مع المنطق ومع العقل السليم, ويتقبل الأمور التي تتناقض بعضها مع بعض دون أن يدرك هذا التناقض, وذهنه غير مرتب, وغالبا ما ينهار منطقه أمام أبسط عملية تحليل.
هكذا كان هذا الاستعماري العتيد يري العرب والمسلمين. وبنفس هذه الروح تحدث هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكية الأسبق في مقال له بعنوان البنية الداخلية والسياسة الخارجية فقال: إن العالم العربي والإسلامي يعيش في مرحلة زمنية متخلفة عن المرحلة الزمنية التي يعيش فيها العالم الغربي, وعقلية العرب والمسلمين ليست عقلية علمية ومنطقية بدليل أن ثورة نيوتن العلمية التي كانت بداية النهضة العلمية ظهرت في الغرب ولم تظهر أي ثورة علمية في العالم العربي والإسلامي, لأن عقلية العرب والمسلمين لا تري الواقع كما هو ولكنها تراه كما تشعر به بالعاطفة وليس بالعقل, أو كما تريد أن تراه عليه, ولهذا لم تمر هذه الشعوب حتي الآن بمرحلة اكتشاف العالم, ونتيجة لذلك يعجز العربي والمسلم عن أن يكون موضوعيا ويتقبل الواقع ولا يقدر أهمية الدقة في المعرفة والعمل.
وقد علق المفكر المعروف ادوارد سعيد الفلسطيني الأصل الأمريكي الجنسية علي كيسنجر بأن هذه النظرة التي تري العرب والمسلمين في منزلة أقل منزلة من الشعوب الغربية هي التي بررت الاستعمار, ودفعت بريطانيا إلي إعطاء وعد بلفور بمنح أرض فلسطين لليهود بادعاء أن هذه الأرض وطن بلا شعب, واليهود شعب بلا وطن, لأن العقلية الغربية الاستعمارية رأت أن الشعب الفلسطيني ليس شعبا!
هذه النظرة الاستعلائية التي بررت الغزو والاستعمار والاحتلال هي التي مهدت لفكرة الاختلاف الجوهري بين ثقافة الغرب وثقافة العرب والمسلمين, التي قامت عليها نظرية صراع الثقافات والحضارات, وليس لها سوي هدف واحد هو تبرير سيطرة الغرب المتفوق علي هذا العالم المتخلف واحتوائه. إن تتبع نظرة الغرب للعرب والمسلمين ضرورية جدا للشباب بصفة خاصة, لأنهم هم الذين سيتعاملون مع الريح العاتية القادمة بالضغوط ومحاولات السيطرة وعودة الاستعمار, ولابد أن نسلحهم بالمعرفة لكي يستعدوا للصمود ولتأكيد قدرتهم علي التعامل مع هذا العصر الجديد بما فيه من مخاطر.
وكما أن لدي الغرب ما يمكن أن نسميه( ثقافة الاستعمار) ونزعة السيطرة, فإننا يجب أن نعمق في شبابنا( ثقافة الاستقلال) ونزعة الحرية والوعي بما حوله من مؤامرات تبدو في صورة جذابة, وتقدم أفكارا تبدو جميلة ولكنها تخفي السم في العسل.وإذا لم نفتح عقول شبابنا علي ما يحاك لنا ولهم فسيكون ذلك تقصيرا لا يغتفر.