الشفافية فى أمريكا

توقع بعض المعلقين في الصحافة الأمريكية أن تتصاعد‏(‏ فضيحة حرب العراق‏)‏ كلما تكشف جزء من الحقائق التي تتستر عليها الادارة الامريكية‏,‏ ويتوقعون أن تصل في يوم ما الي حجم فضيحه ووتر جيت التي أطاحت بالرئيس الاسبق نيكسون‏.‏


فالكاتبة المعروفة مورين داود كشفت أن ديك تشيني نائب الرئيس ومجموعة المحافظين الجدد في البنتاجون تلاعبوا في معلومات المخابرات لكي تتفق مع قرار الحرب الذي كان جاهزا من قبل‏.‏


كما نقلت صحيفة‏(‏ نيو ريبا بلك‏)‏ أن تشيني كان يتردد سرا علي مقر المخابرات في صيف‏2002,‏ وبالطبع كان وجوده يخيف المحللين الصغار‏,‏ وكان دوجلاس فيث ـ احد الصقور المتحمسين للحرب ـ كان يدير مكتبا خاصا للتخطيط تحول الي مكتب لإعداد تقارير استخبارات صورية تعزز قرار الادارة بالحرب‏,‏ واستعان بأحمد الجلبي لصياغة أدلة من عنده‏,‏ وقدم الجلبي معلومات اتضح الآن انها كانت زائفة‏,‏ ثم قام تشيني ومكتبه بإضافة المعلومات التي زيفوها عن تصنيع اسلحة الدمار الشامل في العراق في انابيب المونيوم وفي معامل محمولة علي سيارات متنقلة‏,‏ وعن صلة صدام حسين بتنظيم القاعدة‏,‏ واضافوا هذه المعلومات الي خطاب وزير الخارجية كولن باول الذي القاه في مجلس الأمن‏,‏ وقال فيه ان الادارة الامريكية علي يقين من وجود اسلحة دمار شامل‏,‏ وعرض صورا لمعامل واجهزة التقطتها اقمار التجسس وعملاء المخابرات‏,‏ لكنه قال بعد ذلك إنه كان يعلم أن تشيني مصمم علي الحرب وإنه يسعي الي استغلال مصداقية باول‏,‏ وصرح باول لمجلة‏(‏ شتيرن‏)‏ الألمانية بأنه غضب لاعطائه معلومات مزيفة عن ترسانة العراق وقال‏:‏ لم أكن أعلم بذلك‏.‏


وتقول مورين داود إن مدير المخابرات جورج تينيت كان جاهزا لتقديم كل ماهو مطلوب منه حتي انه قدم تقريرا الي مجلس الشيوخ قبل قرار الحرب بتسعة ايام‏,‏ أكد فيه ما قاله تشيني من ان العراق كان يسعي الي تطوير قنبلة ذرية بينما كانت القوات الامريكية وحاملات الطائرات قد اتخذت وضع القتال قبل صدور قرار الكونجرس بالحرب‏.‏


وتعلق الكاتبة الامريكية علي تقرير اللجنة الخاصة بفحص تقارير المخابرات عن اسلحة العراق والتي اعلنت ان التقارير كانت مزيفة وأن المعلومات التي اعلنتها الادارة الامريكية لم يكن لها أساس من الصحة‏,‏ فتقول إن هذه اللجنة ألقت اللوم علي المخابرات‏,‏ بينما لم تفعل المخابرات شيئا سوي ما طلبه البيت الابيض والبنتاجون‏,‏ وكانت استجابة تينيت سببا لمنحه ميدالية الحرية أعلي ميدالية في الولايات المتحدة‏,‏ مكافأة له علي تقارير عن وجود اسلحة خيالية لاوجود لها ولادليل عليها‏,‏ وعن صلة صدام حسين بتنظيم القاعدة ـ تم اختراعها لتسويق قرار الحرب وإلهاء الشعب الأمريكي عن التفكير في الأسباب التي تدعو لذهاب ابنائهم للحرب دون أن يكتشفوا أن هذه الأسباب ملفقة‏,‏ وقد منحت هجمات‏11‏ سبتمبر الفرصة للمحافظين الجدد لتحقيق مشروعهم الخاص بإعادة تشكيل الشرق الاوسط‏,‏ وهذا هو السبب الحقيقي للحرب‏.‏


والآن تتحدث الصحافة الامريكية عن اسباب تقديم‏1500‏ شاب امريكي للموت في العراق‏,‏ بينما الارهابيون وتنظيم القاعدة مازالوا احياء‏,‏ والبرامج الحقيقية للقنبلة النووية معلومة في دول أخري‏(‏ منها اسرائيل‏)‏ وليست في العراق‏.‏


وهذا ماجعل اشتون كارتر مساعد وزير الدفاع في ادارة الرئيس السابق كلينتون يقول في مقال اخير إن كل فشل للمخابرات لابد أن يكون مرتبطا بفشل سياسي‏,‏ وهذا ما جعل الادارة الامريكية تعترف بعد نشر تقرير لجنة التحقيق ـ انها كانت ستغزو العراق بصرف النظر عن تقارير المخابرات وموضوع اسلحة الدمار الشامل والعلاقة بتنظيم القاعدة‏.‏


وتتساءل مورين داود في مقال آخر‏:‏ هل تتكلف الولايات المتحدة‏40‏ مليارا سنويا للمخابرات وفي النهاية تكون تقاريرها ترديدا لما يريده البيت الأبيض والبنتاجون‏,‏ وتسخر من تقارير المخابرات ومن تقرير اللجنة ايضا لأنه تكلف عشرة ملايين دولار‏,‏ لكي يؤكد ما كان مؤكدا منذ البداية‏,‏ وهو أن البيت الابيض والبنتاجون قاما بإعداد هذه المعلومات الملفقة‏,‏ وقامت المخابرات بتبني هذه المعلومات لإرضاء الادارة‏,‏ ولكن كيف لم يتعرض التقرير لتحديد المسئول الذي يجب محاسبته؟ هذا يستدعي تحقيقا آخر لابد من القيام به في وقت ما‏..‏ ولن يكون ذلك بعيدا‏.

 


جميع الحقوق محفوظة للمؤلف