حقيقة الأزمة الأمريكية
تواجه الادارة الامريكية عدة أزمات في وقت واحد, هي التي صنعتها وتحاول التغطية علي كل أزمة بخلق أزمة جديدة علي أمل أن تضيع الحقائق وسط زحام المشاكل, ولا يرتفع سوي صوت الادارة الامريكية لتحتكر الحكمة وتفرض علي الشعب الامريكي, وعلي العالم, قبول المنطق المقلوب والمغالطات والأكاذيب.
فقد كشفت هيرالد تريبيون يوم14 مارس الحالي في افتتاحيتها عن العجز الخطير في الميزان التجاري الامريكي حتي وصل في يناير الماضي إلي58 مليارا و30مليون دولار, وقالت إن هذا العجز فاق أسوأ التوقعات, وأن العجز التجاري هو أهم عامل في معرفة عدم الواقعية التي تعيش فيها أمريكا, وقد أصبحت في ظل ادارة بوش ـ تعيش وتتصرف بشكل لايتفق مع مواردها الحقيقية, ووصول العجز إلي هذا الرقم المخيف لابد أن يكون جرس انذار يجبر الادارة الحالية الي الاعتراف بمخاطر التوسع في الانفاق علي النحو الذي يحدث الآن, والمشكلة أن الرئيس الامريكي يبدو وكأنه يري أن تجاهل المشكلة افضل وسيلة لحلها, ولايريد تفهم أن خفض قيمة الدولار أمام اليورو الاوروبي والين الياباني ليس له سبب سوي تزايد العجز التجاري, وأن ذلك أدي الي انخفاض في اسعار الأسهم والسندات,
وربما يؤدي ذلك الي تكرر قيام البنوك المركزية الأسيوية بتحويل أرصدتها بالدولار الي عملات أخري, وسيؤدي ذلك الي زيادة الفائدة في الولايات المتحدة, كما سيؤدي الي انخفاض آخر في أسعار الأسهم والسندات, وزيادة التضخم وزيادة اسعار السلع لأن ارتفاع اسعار الواردات سيدفع المنتجين المحليين الي رفع اسعارهم ايضا.
هذه الحقيقة لم تعترف بها الادارة الامريكية, كما تفعل أيضا في مشكلة انخفاض حجم تدفقات رؤوس الأموال من الخارج الي الولايات المتحدة التي انخفضت في ديسمبر الماضي بمقدار الثلث, وإذا استمرت هذه الظاهرة سيكون رد الفعل المنطقي في أسواق العملة بيع المزيد من الدولارات, مما يزيد من خطر حدوث الأثار الجانبية المحتملة.
والعجز التجاري بطبيعته مرتبط بالعجز في الميزانية الفيدرالية, وليس أمام الرئيس بوش مخرج من هذه الأزمة سوي تقليل العجز في الميزانية الذي وصل الي ما يقرب من550 مليار دولار هذا العام, ولكن الرئيس بوش يفعل العكس, بالدعوة الي خفض ثان للضرائب علي الاغنياء, وخصخصة شبكة الضمان الاجتماعي.
وبهذا المنطق تواجه الادارة الامريكية المأزق الاستراتيجي الذي وضعت نفسها فيه بغزو العراق, تقول هيرالد تريبيون في افتتاحيتها يوم20 مارس الحالي إن النتائج السلبية السيئة لهذا الغزو أكبر مما يقال عن النتائج الايجابية.. فلقد فقدت أمريكا أعدادا كبيرة من الرجال والنساء في العراق, وكانت الادارة الامريكية قاسية في التعامل مع عشرات الالاف من العراقيين من ضحايا الغزو, ولايستطيع الامريكيون أن يعرفوا أعدادهم, وقد تأكد أن الاسباب التي أعلنها الرئيس بوش لغزو العراق لم تكن صحيحة, والأسوأ أن الأسلحة العراقية التقليدية تم نهبها, وحتي الادعاء بأن غزو العراق جاء بالديمقراطية للمنطقة والانتخابات لاول مرة في العراق فان هذه الانتخابات ستكون بداية لحرب أهلية او لظهور دكتاتورية جديدة برعاية أمريكية وكل ما تردده الادارة الامريكية لن يبرر حربا لم تكن ضرورية قامت علي ذرائع زائفة, وقد خسرت امريكا تحالفات مهمة خاصة مع أوروبا, وأدي تجاهل أمريكا للأمم المتحدة الي إضعاف المنظمة الدولية, وابتعدت إسبانيا, وتزايد الشعور المعادي لامريكا في انحاء العالم, وتبدو الأمور أسوأ في العالم العربي.
وتقول الصحيفة الامريكية أن الرئيس بوش لم يكن أمينا مع الشعب الأمريكي, وإن إعادة انتخابه كانت الضمانة لعدم تعرضه للمحاسبة وللعقوبة السياسية, ولذلك كان إصراره علي خفض الضرائب علي الاغنياء للتغطية علي الثمن الفادح الذي تكبدته الولايات المتحدة بسبب غزو العراق. والمأزق الحقيقي الآن أن الادارة الامريكية لاتستطيع الخروج من العراق سريعا كما طلبت من القوات السورية في لبنان.. ولذلك سيبقي الجنود الامريكيون في العراق خلف الحواجز في حالة ترقب دائم لانفجار يأتيهم من حيث لايتوقعون.