إعادة الروح للبحث العلمى
جاء اجتماع الرئيس مبارك منذ أيام لاعادة الروح للبحث العلمي في الوقت المناسب, ففي منظومة الاصلاح الشامل التي يتبناها الرئيس لابد أن يكون للبحث العلمي مكان الصدارة, وتكون له الاولوية باعتباره القاطرة الحقيقية القادرة علي قيادة التنمية والتحديث.
ولقد ضاعت منا سنوات في الحديث عن أهمية البحث العلمي والتكنولوجيا حتي أصبحنا من أكثر دول العالم حديثا واقلها انجازا كما قال الدكتور أحمد زويل, كذلك اكتفينا بالتفاخر بأنه لدينا82 مركزا للبحث العلمي والتكنولوجيا مبعثرة في جميع الوزارات دون تنسيق او رابط بينها, ولايعلم أحدها مايفعله الآخرون, وقد أدي هذا الي تشتت الجهود ولم تستطع هذه الكيانات ان تتوحد أو تتكامل او حتي أن تنشئ جسور اتصال بينها لتفادي التكرار, وتبديد الجهود والموارد.
وليس من السهل أن يفهم انسان لماذا يكون13 مركزا للبحث العلمي فقط تابعة لوزارة البحث العلمي, و69 مركزا للبحث العلمي تابعة لوزارات أخري, حتي إن وزارة الزراعة يتبعها16 مركزا للبحث العلمي, ووزارة الموارد المائية والري14 مركزا, ووزارة الصحة14 مركزا, ووزارة البترول12 مركزا, ووزارة الثقافة8 مراكز, ووزارة الاستثمار5 مراكز, ويتبع وزارات النقل, والطيران, والتخطيط, والكهرباء4 مراكز لكل منها, كما يتبع3 مراكز لكل من وزارتي الاقتصاد, والتجارة الخارجية والصناعة, و15 وزارة أخري لكل منها مركز للبحث العلمي, مثل وزارات العمل والمالية والعدل والشباب والإعلام والتربية والتعليم والخارجية والاسكان.. إلخ.
ماذا ننتظر من باحثين يعملون في مواقع كثيرة ويتبعون وزارات ليست مختصة أو متخصصة في البحث العلمي وان كانت تدعي انها تعتمد علي هذه المراكز في اعداد سياساتها وبرامجها, الا أن الحقيقة انها لاتفعل ذلك, ولاترعي هذه المراكز والباحثين فيها الرعاية الكاملة, ولاتوفر لها التمويل الكافي ولا المعدات, والمكتبات, والمنح, والمشاركة في المؤتمرات الدولية للاحتكاك والتفاعل والتعرف علي ما يفعله زملاؤهم في انحاء العالم.
ومع تزايد الحديث عن وضع استراتيجية جديدة للبحث العلمي تزداد مراكز البحث العلمي هبوطا في هاوية النسيان والتجمد, ويشكو العلماء من قلة الامكانات والتقدير, وعدم الاستفادة بما يتوصلون اليه من نتائج وابتكارات مع تواضع هذه النتائج بالقياس الي ما يحدث في الدول النامية الاخري, ولن نقارن بما يحدث في ماليزيا او سنغافورة او كوريا او تايلاند او جنوب افريقيا.
وهناك شبه اجماع بين العلماء والباحثين علي هبوط الانتاج العلمي, وقلة الابحاث المنشورة في المجلات العلمية ذات المستوي العالمي, وشكواهم تشمل غياب الثقافة العلمية علي مستوي المجتمع, وعدم تحقيق الشعارات التي تتردد عن التعليم والتعلم مدي الحياة, وعن ربط الجامعات ومراكز البحث العلمي بمراكز الانتاج وباحتياجات المجتمع, وبإنشاء بنية اساسية معلوماتية, واعطاء مراكز البحث العلمي المرونة التي تجعلها قادرة علي الانطلاق, وتشمل شكواهم ايضا انعزال مراكز البحث العلمي عن المراكز المماثلة في العالم وندرة قنوات الاتصال والتواصل مع هذه المراكز العالمية, والاخطر من ذلك ان معظم الدرجات العلمية التي تمنح في مصر غير معترف بها عالميا, وأن حوافز التميز العلمي عندنا اقل بكثير من اي دولة آسيوية, وبالتالي لم تقدم مراكز البحث العلمي علي كثرتها معظم ما وعدت به منذ عشرات السنين, ولم تقدم دفعة قوية تحقق قفزة في الانتاج الصناعي والتكنولوجي, وحتي لم تقدم ما نحتاج اليه بشدة من الرصد والتحليل للأداء الاقتصادي والاجتماعي لترشيد الاداء في الجهاز التنفيذي.
كل ذلك كان مطروحا بصراحة علي بساط البحث, وكان اجتماع الرئيس بالوزراء المختصين بمثابة بداية جديدة حقيقية لبرنامج للنهوض بالبحث العلمي والتكنولوجيا يرعاها الرئيس بنفسه, ويتابع تنفيذها في اجتماعات دورية, فيما يمكن اعتباره مشروعات للاصلاح في ميدان البحث العلمي يسير جنبا الي جنب مع الاصلاح الاقتصادي والاصلاح السياسي, بل ان نجاح الاصلاحات الاقتصادية والسياسية يعتمد اساسا علي عقول واجتهادات العلماء لايجاد الحلول غير التقليدية للمشاكل.