ديموقراطية اليمين الأمريكي
وليم كوانت المفكر والسياسي الأمريكي خبير في شئون الشرق الأوسط بحكم انغماسه في المباحثات التي أدت الي توقيع اتفاقية كامب ديفيد, وعمله قريبا من الرئيس الأمريكي الاسبق جيمي كارتر حيث كان مساعدا لمستشار الرئيس لشئون الأمن القومي, وهو الآن يعمل استاذا للعلوم السياسية, وله مؤلفات وأبحاث عديدة عن الشرق الأوسط وعلاقة امريكا باسرائيل وبالعرب.. كتب في الفترة الأخيرة عدة مقالات معترضا علي السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط التي يقودها اليمين المتطرف.
وفي مقال أخير أبدي وليم كوانت دهشته للانقلاب الذي حدث في فكر اليمين الأمريكي, فقد كان ممثلو هذا التيار يعارضون المطالبين بادخال إصلاحات سياسية في الشرق الاوسط, وكانوا يرددون أن هذه المنطقة اسلامية ولا سبيل مطلقا للدمج بين الاسلام والديموقراطية من حيث المبدأ لما بين الاثنين من تعارض(!) كما كانوا يرون أنه اذا أجريت انتخابات في بعض البلاد الصديقة لامريكا فقد تسفر عن حكومات معادية لاسرائيل ولأمريكا نفسها, وقد تسفر ايضا عن ديموقراطية مشوهة وتأتي بنظم ديموقراطية غير ليبرالية. فكيف حدث هذا الانقلاب المفاجئ في افكارهم وأصبحوا أكثر التيارات في أمريكا حماسا لاجراء انتخابات صورية وشكلية كما حدث في العراق. بينما كان الجيل القديم من اليمين الأمريكي لايري أن الديموقراطية هي البداية ولكن يجب أن يكون حل المشكلات التي تعاني منها الدول النامية هو الاساس لضمان نجاح الديموقراطية والاصلاحات السياسية. وحتي الرئيس جورج دبليو بوش لم يضع في برنامجه الانتخابي الأول عام2000 موضوع تصدير الاصلاحات السياسية وفقا للمواصفات الأمريكية, وكان يؤكد علي سياسة خارجية للمساعدة في عملية بناء الأمم وحتي في مرحلة الهرولة في اتجاه غزو العراق كانت مبررات الغزو مبنية علي معلومات مؤكدة أعلنها بوش وأكدها المسئولون في ادارته تدور كلها حول خطورة نظام صدام حسين لامتلاكه اسلحة دمار شامل مزعومة, ولانه يمثل تهديدا عسكريا للأمن القومي الأمريكي.
ويتساءل وليم كوانت: اذا كان الأمر كذلك, فمن أين جاءت فكرة فرض الاصلاحات السياسية بالمواصفات الأمريكية علي الدول, ويجيب بأن الفكرة أصبحت مطروحة لانقاذ الإدارة الأمريكية من مواجهة الغش والأكاذيب في العراق, بعد أن انكشف الأمر, وتأكد عدم مصداقية الادارة التي يقودها اليمين الجديد فيما زعمته عن اسلحة الدمار الشامل والتهديد للأمن القومي الأمريكي ووجود علاقات مؤكدة عن علاقة النظام العراقي بالإرهاب وبتنظيم القاعدة, ومع تزايد تكلفة الحرب, وازدياد خسائر الولايات المتحدة البشرية والمادية, وجد المحافظون الجدد انفسهم مضطرين لتحقيق هدف انساني هو نشر القيم الأمريكية( الحرية), كما رأت شغل المنطقة بموضوع يصرفها عما تفعله امريكا فيها وقد تحولت هذه القضية الي موضوع لاغراء الاصلاحيين في الشرق الاوسط للانضمام الي امريكا بعد أن كانوا ساخطين عليها لحربها العدوانية. واستغل المحافظون الجدد نتائج وتداعيات11 سبتمبر, وقلق الأمريكيين من تزايد الشعور بالكراهية لأمريكا, حتي أصبح السؤال الذي يتكرر في الدراسات والتحليلات وبرامج الحوارات هو: لماذا يكرهوننا الي هذا الحد, وسارع بعض الكتاب المؤيدين لإدارة بوش من امثال برنارد لويس وفؤاد عجمي الي انتهاز الفرصة وزرعوا فكرة تؤكد ان هذه الكراهية ليست لها صلة بالسياسات التي تنفذها الإدارة الأمريكية في المنطقة ولكنها ناتجة عن الأوضاع الداخلية الخاصة بالمنطقة العربية الاسلامية, فإذا عملت أمريكا علي تغيير الاوضاع والقيم والثقافة وفرضت الاصلاحات السياسية وفقا لما تراها, فإن الكراهية سوف تزول ويحل محلها الرضا والتأييد للسياسات الأمريكية, ويصبح الجميع اصدقاء لامريكا, ومعترفين بفضلها عليهم(!).
ولكن وليم كوانت يري أن المسألة لايمكن أن تعالج بمثل هذه الخفة والسذاجة النظرية, ولذلك ينبه إلي أنه علي الصعيد العملي فإن سياسة فرض الاصلاحات بالقوة التي تنتهجها واشنطن حاليا ستؤدي الي خسارة الديموقراطية وخسارة الاستقرار في المنطقة ايضا.