أسئلة عن المستقبل
منذ اسابيع عقد المنتدي الاستراتيجي العربي دورته الثالثة في دبي, وكان الموضوع الرئيسي هو مستقبل العالم العربي في عام2020, وشارك في المنتدي مجموعة من اكبر الشخصيات السياسية والاكاديمية ورجال الاعمال في العالم, وأثيرت قضايا في غاية الأهمية, وكان المفروض أن يستمر النقاش حول السيناريوهات التي دار حولها الحوار, ولكن ـ كما هي العادة ـ انتهي الحديث عن هذا اللقاء المهم بسرعة وكأن شيئا لم يكن!
شارك في هذا المنتدي الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون, ووزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت, والجنرال ويسبي كلارك قائد قوات حلف الناتو السابق, والدكتورة حنان عشراوي, واللورد هاول جليفرد الوزير البريطاني السابق, وعشرات غيرهم من كبار الشخصيات في اوروبا وامريكا والدول العربية, وكانت رؤوس الموضوعات والافكار التي تناولتها الجلسات والندوات في غاية الأهمية منها مثلا: أن العالم سوف يشهد تغيرا في شكل النظام العالمي الجديد وستظهر أقطاب متعددة أهمها الاتحاد الأوروبي والصين, وسيؤدي ذلك إلي تراجع الهيمنة الاحادية الأمريكية, وسيكون لذلك بالقطع تأثيره علي العالم العربي, فهل يمكن أن تنشأ تكتلات قطبية عربية جديدة ويكون توجه كل منها بقطب من الاقطاب الدولية.
وما مستقبل الحركات الاسلامية السياسية؟
وعلي المستوي الداخلي اثيرت اسئلة مهمة جدا مثل: ماذا سيحدث نتيجة لجمود الحياة السياسية في بعض الدول العربية؟
هل سينتهي الأمر إلي اقامة نظم سياسية واقتصادية اكثر شفافية, وماهو تأثير المحاولات الجارية لتأسيس دول ديمقراطية في المنطقة علي بقية دول المنطقة, وكيف سيكون العراق في عام2020 وتأثير النظام الذي سينشأ فيه علي بقية الدول العربية وعلي قضايا الأمن والاستقلال والتكامل؟
وأسئلة اخري اكثر خطورة لم تجد اجابات شافية وصريحة عليها في المنتدي مثل: هل سيصدق السيناريو, الذي يتوقع ان يسود المنطقة توتر أمني بسبب غياب نظام عربي موحد وشامل, او بسبب وقوع معظم الدول العربية, رهينة لاتفاقيات ثنائية بينها وبين دول من خارج المنطقة, فهل سيؤدي كل ذلك الي زيادة الانفاق العسكري؟ هل سيؤدي إلي زيادة النزاعات الحدودية وحالة عدم الاستقرار الاقليمي؟ وهل هناك أمل أو امكانية لظهور نظام أمني يحمي المنطقة من هذه الاحتمالات؟ وهل يمكن أن تتحول اسرائيل في هذا المنظور من كونها المصدر الرئيسي لتهديد الأمن في المنطقة وان تصبح دولة في المنطقة تعيش في سلام مع جيرانها داخل حدودها؟ ثم ماهي الآثار طويلة المدي التي ستنتج عن الاحتلال الامريكي للعراق؟
مثل هذه الاسئلة لم يسبق أن طرحت في الساحة العربية بهذا الوضوح, وربما لم يفكر فيها كثير من قيادات الفكر والحكم في العالم العربي أو انهم يفضلون تجاهلها وشغل انفسهم بموضوعات سطحية يمكن معالجتها بالعبارات الانشائية المعهودة وتكرار الافكار القديمة التي ربما كانت مناسبة لعصر قديم لن يستمر طويلا.. وليس من المتوقع أن يتوصل المنتدي الاستراتيجي العربي في جلساته التي استمرت ثلاثة ايام فقط إلي اجابات دقيقة وشافية لهذه الاسئلة الصعبة, ولكن يكفي في مثل هذه اللقاءات أن تطرح الاسئلة, أما التوصل الي الاجابات الصحيحة فإنه يتوقف علي طرح الاسئلة الصحيحة, ويكفي أن المشاركين في المنتدي أدلوا بافكارهم واجتهاداتهم كل بحسب انتمائه الفكري والسياسي, ويبقي الملف مفتوحا, أو ينبغي أن يبقي مفتوحا وتدور حوله لقاءات وحوارات واجتهادات الي أن نصل الي بلورة رؤية استراتيجية تقدم الي صانعي السياسات في العالم العربي عسي أن يضعوها في حساباتهم.
لذلك أعتقد أن مراكز الابحاث والتفكير في مصر, وفي سائر الدول العربية عليها أن تعيد طرح هذه الاسئلة التي طرحت في المنتدي الاستراتيجي العربي, وتجعلها محور عملها في هذه الفترة, وهناك أسئلة اخري كثيرة لايتسع لها المقام, والمهم أن نفكر بجدية في صورة المستقبل, لان هناك من يفكر لنا, لمصلحته وليس لمصلحتنا, واذا لم نتحرك وفق مخطط مدروس لحماية انفسنا, فلن نجد من نلقي عليه اللوم فيما سيحدث لنا في هذه المنطقة التي تعيش فوق براكين ربما تبدو خامدة وهي ليست كذلك.