دور المثقفيــن الآن

هناك أوقات يحتاج فيها المجتمع إلي أن يتجمع المخلصون لوطنهم ويشاركوا بايجابية في الدفاع عن القيم ويستنهضوا الهمم ويبعثوا في الناس الأمل‏,‏ ويقودوا تيار الوطنية والاصلاح‏.‏ ومصر الآن في مرحلة تحتاج فيها الي مبادرات المخلصين‏..‏ تحتاج الي من يجمع ولايفرق‏..‏ من يبني ولايهدم‏..‏ من يبعث الأمل ولايدعو الي الاحباط‏..‏ من يتحمل المسئولية ولا يتهرب منها‏.‏

والمثقفون هم دائما الطليعة‏,‏ واذا كانوا قد تهاونوا في القيام بدورهم في فترة‏,‏ واذا كان بعضهم قد تهاون في اداء رسالته جريا وراء الثروة أو المنصب أو الشهرة فهذه المرحلة ـ بما فيها من تحديات وتطلعات ـ محتاجة اليهم‏.‏


وربما كان صحيحا في فترة سابقة ما جاء في دراسة للدكتور علي الدين هلال عن أزمة الجماعة الثقافية في مصر فان الظروف تغيرت ولم تعد العوامل التي تسببت في هذه الأزمة قائمة اليوم‏,‏ والدكتور علي الدين هلال كان يري ان هذه الأزمة ليست وليدة الأمس القريب‏,‏ ولكنها تنبع من طبيعة تكوين جماعة المثقفين ومن الظروف السياسية والاقتصادية التي تعمل فيها‏,‏ وقال في دراسته انه غير صحيح ان عملية التغيير الاجتماعي والتحديث يحتكرها المثقفون‏,‏ وفي نفس الوقت فان التغيير والتحديث بدون المثقفين لايمكن تصوره نظريا‏,‏ وفي تحليله لأوضاع المثقفين رأي ان انفصالهم عن المجتمع بدأت بوادرها منذ القرن التاسع عشر مع ادخال نظام التعليم المدني الذي أدي وجود نظامين للتعليم في مصر‏:‏ نظام تعليم مدني‏,‏ وآخر ديني‏,‏ وادي ذلك الي وجود جماعتين من ثقافتين‏:‏ جماعة دينية وجماعة مدنية مع اختلافات بينهما وقد انعكست هذه الاختلافات علي المجتمع‏,‏ وأضاف الي ذلك اثر العلاقة بين المثقفين والمجتمع‏,‏ فكل مثقف ينتمي الي طبقة اجتماعية فهو بالضرورة يعبر عنها ويدافع عن مصالحها‏,‏ وهذا الولاء الشخصي كان له تأثير كبير علي الثقافة الوطنية وعلي دور المثقف في نقد الأوضاع لمصلحة طبقة معينة‏,‏ أو لمصلحة شخصية أو للمصلحة العامة والحل ان يتجمع المثقفون المخلصون للقيام بنهضة ثقافية ـ أو ثورة ثقافية ـ وتبني حركة فكرية شاملة‏.‏


مفكر آخر هو الدكتور مراد وهبة كان يري ان المثقفين انشغلوا بالخلافات التي أدت الي تفرقهم‏,‏ وإذا كان المثقفون في الغرب يجمعهم الايمان والولاء للفكر وللمجتمع ويشغلهم تحريك عملية التجديد والتقدم واعادة فرز الأفكار والنظم القائمة لاستبعاد ما تجاوزه الزمن وأصبح عقبة في طريق التقدم‏,‏ أما في العالم العربي عموما فان ولاء معظم المثقفين للتقاليد والدفاع عن الجمود ورفض التجديد واعتبار قيم الاجداد من المقدسات التي لايجوز تغييرها‏,‏ واخطر مشاكل المثقفين في العالم العربي ما يتعلق بحرية التفكير‏,‏ وحرية البحث‏,‏ فهم يطالبون بهذه الحرية لأنفسهم ويصادرون حرية من يختلف معهم‏,‏ ورغم ان مفهوم الثقافة ينطوي علي التسامح الفكري وقبول الاختلاف والحوار‏,‏ إلا ان قطاعا كبيرا من المثقفين العرب علي العكس من ذلك يؤمنون بأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة ومن يختلف معهم فهو منحرف وضال‏.‏

وأهم مشاكل المثقفين ان بعضهم لايزال متأثرا بالتيارات الفكرية والايديولوجيات القديمة‏,‏ ولم يسايروا ما حدث في العالم من تغير جوهري في الفكر وفي النظم وفي مناهج البحث‏,‏ فمنهم من لا يزال متمسكا بالقوالب الفكرية التي تنتمي الي قرون ماضية ومنهم من لايزال يردد ماكان يقال قبل ان يتغير العالم فيما يشبه الانقلاب في العقدين الاخيرين من القرن الماضي‏,‏ ومن بين المثقفين من وقف بعيدا واكتفي بدور المتفرج ولم يبادر للقيام بدور ايجابي‏.‏


الآن نحن في وقت يحتاج الي مشاركة المثقفين في قيادة عملية الاصلاح والتحديث‏,‏ فهذا وقت الاصلاح والتغيير‏,‏ والتحديث‏,‏ ومن الطبيعي ان يكون للمثقفين دور أساسي في قيادة تيار الاصلاح لكيلا ينفرد التكنوقراط بقيادة الاصلاح‏..‏

ومن البوادر المبشرة اهتمام الدولة بالمثقفين علي اختلاف تياراتهم وتوجهاتهم‏,‏ ونجاح الحزب الوطني في جذب اعداد من المثقفين للمشاركة في هذه المرحلة وشعارها فكر جديد ولايمكن ان يكون الفكر الجديد بدون المثقفين الذين يتمتعون بالكفاءة والاخلاص والرغبة في الخدمة العامة وهذا ما نلمسه في المجموعات المشاركة في مجلس السياسات في الحزب‏..‏ ويبقي ان تسير بقية الأحزاب علي هذا النهج‏,‏ فتعمل علي جذب جماعات من المثقفين للمشاركة في صياغة فكر جديد لكل منها‏.‏ لان الفكر الجديد يجب ألا يكون مقصورا علي الحزب الوطني بل يجب ان يكون هو الواجب المفروض علي كل الأحزاب والجمعيات ومؤسسات الدولة‏,‏ وإلا فكيف يمكن السير بعملية الاصلاح الشامل بدون قيام المثقفين بدورهم كاملا‏,‏ وبدون فكر جديد لمصر وللمصريين جميعا؟

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف