جسور للتفاهم
في مؤتمر عقد في مقر الأمم المتحدة عن الإسلام والتعصب, وجه الأمين العام كوفي أنان رسالة الي الدول الغربية انتقد فيها موجة التعصب ضد الإسلام, وقال إن علي الجميع الاعتراف بأن المشاعر المعادية للغرب لدي بعض المسلمين هي نتاج تاريخ طويل من الاستعمار والهيمنة الغربية.
قال أنان أيضا ـ إن هذه المشاعر المعادية للغرب ـ في صفوف المسلمين زادت بسبب عدم الوصول الي حلول لصراعات مزمنة في الشرق الأوسط, والشيشان, ويوجوسلافيا السابقة.
وفي رسالته قال أنان إن هذه الحالة تحتاج الي تحرك عاجل من المسلمين وغير المسلمين, ومن الحكومات والمنظمات الأهلية ووسائل الإعلام لتصحيح العلاقة.
ما يثير الاهتمام في هذا المؤتمر الدولي الذي دعت اليه منظمة الأمم المتحدة أنه عقد تحت عنوان مواجهة الاسلاموفوبيا وفي ذلك اعتراف دولي علي أعلي مستوي بانتشار مشاعر الخوف والعداء تجاه الإسلام والمسلمين. وقبل ذلك سبق أن شكلت في بريطانيا لجنة علي أعلي مستوي من العلماء والمفكرين لبحث انتشار ظاهرة الاسلاموفوبيا في المجتمع البريطاني ووضع توصيات للحد منها.
وقد يكون من اسباب هذه الظاهرة ما يشعر به الغرب من تهديدات وعمليات ارهابية يقوم بها مسلمون متطرفون, وهناك جهات وقوي تستغل هذه العمليات لاقناع الحكومات والشعوب بأن هذا الإرهاب صادر عن طبيعة الإسلام ذاته, وعن مبادئه ودعوته للمسلمين بمحاربة غير المسلمين واعتبارهم اعداء. وهذه القوي تقدم مفهوم الجهاد في الإسلام بصورة مغلوطة, وتصوره علي أنه دليل علي أن الإسلام دين عدواني وخطر علي الآخر. وهذا ما أدي الي ظهور نظريات منحرفة مثل صراع الحضارات وحتمية الصراع بين الغرب والاسلام. وهذا الفهم يغفل السبب الرئيسي لإنتشار الإرهاب, وهو الظلم الواقع علي المسلمين في كل مكان, وتزايد احساسهم باضطهاد الغرب لهم, وممارسات القوة التي يلمسونها في الضغوط المتزايدة عليهم بحجج ودعاوي واهية, وشعور المسلمين بأن دول الغرب, والولايات المتحدة وإسرائيل علي رأسها, لديها اطماع ونوايا عدوانية تجاههم, وقد وصلوا الي هذه الحالة مما يشاهدونه في العراق والأراضي الفلسطينية من العدوان الذي يتضمن جرائم حرب كما يصفه الغربيون أنفسهم.
وهناك أصوات منصفة تعلن الحقيقة في الولايات المتحدة وأوروبا, ولكنها تحتاج إلي جهد كبير من الدول الإسلامية ذاتها لتعزيز جهودها وترسيخ المفهوم الصحيح للإسلام علي أنه المجني عليه وليس هو الجاني.
وقد اعلن في الأيام الأخيرة ملخص قدمته هيئة استشارية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية( البنتاجون) عن كيفية تغيير أفكار ومشاعر المسلمين والعرب العدائية لأمريكا, وقال التقرير إن أمريكا تخسر ما أسماه حرب الأفكار في العالم الإسلامي لأن ما تعلنه عن فرض الديموقراطية علي الدول الإسلامية يبدو في عيون الشعوب الإسلامية والعربية خداعا من أجل تمرير أهدافها ومصالحها في بلادهم, وأن علي أمريكا إذا أرادت من المسلمين أن يتقبلوا مفهومها عن التسامح ورغبتها في تعاونهم معها فإن عليها أولا أن تقدم لهم الدليل العملي علي أنها لاتريد اخضاعهم للمفاهيم الأمريكية أو تغيير الشخصية والثقافة المميزة لهم. ويقول التقرير ان ما تفعله الولايات المتحدة من زيادة جرعة الدعاية السياسية واستخدام وسائل الإعلام والعلاقات العامة لن يحقق لها ما تريد, كذلك ليس صحيحا ما قاله الرئيس بوش عقب11 سبتمبر انهم يكرهون حريتنا وحضارتنا, والحقيقة أنهم يكرهون سياستنا وانحيازنا لإسرائيل وانكارنا الحقوق الفلسطينية.
ويقول هذا التقرير المهم إن السياسة الأمريكية تعاني من أزمة, وقد علق مراسل( بي. بي. سي) في البنتاجون علي هذا التقرير بأنه يعكس القلق الذي يسود في الأوساط الرسمية في واشنطن.
ويزيد من مخاوف الشعوب العربية أن المطالب الأمريكية موجهة الي تغيير في التربية الدينية وفي الثقافة, والتعليم, حتي أن أحد المشاركين في مؤتمر الفكر العربي الذي عقد أخيرا في المغرب قال: أصبحت كلما سمعت كلاما عن التغيير الثقافي أتحسس عقيدتي..!!
من هنا يجب أن تكون البداية بإقامة جسور التفاهم, وتغيير السياسات وليس بالإعلام وحده يمكن أن تنتصر أمريكا في حرب الأفكار.