شهادة أمريكية لعرفات

ظل الرئيس بوش طوال السنوات الأربع الماضية يصف ياسر عرفات بأنه إرهابي وعقبة في طريق التوصل الي السلام‏...‏ وكان يردد بذلك مايقوله شارون والليكود‏,‏ لكن الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر كان علي العكس من ذلك يعرف مكانة عرفات ويقدر دوره ونضاله‏.‏

وفي مقال كتبه الرئيس كارتر منذ أيام في نيويورك تايمز بعنوان العقبات الآن بعد أن رحل عرفات وصف عرفات بأنه كان لاكثر من أربعين عاما زعيما لاخلاف عليه‏,‏ ورمزا لقضية الشعب الفلسطيني الممزق المشتت‏,‏ وظل دوره البارز ليس فقط بسبب شجاعته ووضع هدفه‏,‏ ولكن بسبب وضعه المحوري الذي يستطيع جمع الفصائل والاتجاهات المتعارضة لكي تلتف حوله‏.‏


وفي رأي الرئيس كارتر أن التعامل مع عرفات كان صعبا‏,‏ لانه كان شديد الحذر‏,‏ ويحرص علي تجنب اتخاذ أي قرار نهائي يمكن أن يثير الاعلان عنه معارضة حادة من احدي الفصائل المتنافسة والمختلفة فيما بينها‏,‏ والتي قبلته ليكون متحدثا باسمها‏..‏ وكانت لديه قرون استشعار سياسية تجعله يتلمس دائما الطريق الذي تتقبله كل الأطراف‏.‏ وعندما وجد فرصة حقيقية مع إسحاق رابين عندما كان رئيسا لوزراء اسرائيل تصرف عرفات بوضوح وشجاعة ووقع علي اتفاقية أوسلو للسلام في‏1993,‏ لأنه وجد أن هذه الاتفاقية توضح بطريقة مقبولة الحدود الجغرافية بين اسرائيل والفلسطينيين‏,‏ وبعد هذه الاتفاقية توقف العنف علي الجانبين‏,‏ ولكن العنف عاد بعد أن قتل شاب يهودي رئيس الوزراء رابين‏,‏ وكان ذلك ايذانا بالتراجع والعودة الي نقطة البداية‏.‏

وفي كامب ديفيد كان الأمر مختلفا‏,‏ فقد قدم الرئيس كلينتون ورئيس الوزراء ايهود باراك عرضالم يكن فيه الحل للقضايا الرئيسية مثل الحدود النهائية واللاجئين والقدس والسيادة وترك حسمها فيما بعد من خلال مفاوضات اخري‏,‏ أي أن المعروض علي عرفات لم يكن يمثل الحل للمشكلة‏,‏ وبعد ذلك تخلي الرئيس بوش ورئيس الوزراء أرييل شارون عن جهود السلام التي بذلها الرؤساء السابقون للولايات المتحدة‏,‏ وعاش عرفات سنواته الثلاث الأخيرة سجينا غير معترف به من الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء الاسرائيلي كرئيس شرعي للشعب الفلسطيني‏.‏ ويقول كارتر انني اصف عرفات بانه الرئيس الشرعي لأنه تولي الرئاسة في يناير‏1996‏ في انتخابات حصل فيها علي اغلبية كبيرة وصدق عليها الاسرائيليون المحتلون‏.‏


وفي الفترة الاخيرة‏,‏ مع اضعاف عرفات سياسيا وصحيا‏,‏ واستمرار سجنه‏,‏ ملأت الفصائل الفراغ في القيادة الذي نتج عن ذلك‏,‏ ولجأت بعضها الي أعمال العنف‏,‏ واستغل الاسرائيليون هذا الفراغ السياسي لفرض ارادتهم بقرارات احادية علي الاراضي الفلسطينية بمساندة الولايات المتحدة‏.‏


وعندما اختارت السلطة الفلسطينية محمود عباس‏(‏ ابومازن‏)‏ لتمثيلها في مفاوضات السلام أضعف فعاليته كل من عرفات الذي رأي فيه تهديدا لسلطته‏,‏ وشارون الذي اراد الاستمرار في اتخاذ القرارات الاحادية دون اعتبار للصوت الفلسطيني‏,‏ وهذا يعني أن الفلسطينيين اذا استطاعوا التوصل الي اختيار خليفة محترم لعرفات بإرادتهم هم وليس بإرادة الاسرائيليين او الامريكيين‏,‏ فسوف توجد فرصة جديدة لاستئناف مفاوضات السلام‏.‏ ولن يحصل أي قائد فلسطيني علي شرعية سياسية مالم يتم اختياره من خلال عملية ديمقراطية بانتخابات حرة‏.‏ ولكن امام الفلسطينيين عقبات خطيرة لم تكن قائمة في انتخابات عام‏1996,‏ ففي ذلك الوقت كان مسموحا للفلسطينيين بالتنقل بحرية وتنظيم الحملات الانتخابية والتصويت في غزة والضفة والقدس الشرقية برغم ماحدث من مشاحنات وخلافات في الدقيقة الاخيرة علي اصوات الفلسطينيين في القدس‏.‏ اما الآن فقد تم بناء عدد كبير جدا من المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية في الضفة‏,‏ ويربط بينها شبكة طرق اشبه بشبكة العنكبوت‏,‏ ويتم بناء جدار عازل ليتجاوز الحدود المقبولة دوليا بين اسرائيل والاراضي الفلسطينية‏,‏ وفي المقابل مازالت بعض الفصائل متمسكة بالعودة الي العنف‏,‏ بينما كان العنف قد توقف منذ ثماني سنوات عندما كان لدي الفلسطينيين أمل في السلام والعدل‏.‏


ويركز كارتر في مقاله علي ضرورة أن تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل ان السلام في الشرق الاوسط هو أهم قضية دولية‏,‏ وأن التوصل اليه سوف يساعد علي تخفيف التوتر والكراهية في الشرق الأوسط وبالتالي ينتهي خطر الارهاب العالمي‏.‏

هذه هي رؤية الرئيس الامريكي كارتر دليل علي انه مازالت في امريكا أصوات عاقلة ومنصفة تقول الحق وتساند العدل‏,‏ وهو بصيص ضوء وسط الظلام والظلم‏.‏

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف